خصّصت الجمعية الثقافية "مشعل الشهيد" عددها الخامس لمنتدى الذاكرة لإحياء الذكرى السابعة والأربعين لتأميم دار الأوبرا وتحويلها إلى المسرح الوطني الجزائري، وذلك في ندوة تناولت قضية الفن والثورة. الندوة ارتكزت بشكل خاص على تخليد روحي فقيدي الثقافة الجزائرية مصطفى كاتب ومحمد بودية، حيث توقّف الفنان عبد الحميد رابية عند مسار كل من الرجلين اللذين تقاسما همّ الثقافة وجعلاها شغلهما الشاغل، مذكّرا أوّلا بخصال الفنان مصطفى كاتب وفضله على الفن الرابع في الجزائر من خلال أعماله أوّلا ثم كفاحه ليستقيم شأن المسرح في الجزائر المستقلة، وعلى هذا الأساس شكّل التكوين الشغل الشاغل لأب المسرح في الجزائر لينشأ بذلك جيل من الفنانين يشكّلون اليوم زبدة الساحة الفنية في الجزائر. وقد فضّل رابية سرد مسيرة الرجل هذه المرّة بطريقة شعرية مذكّرا بأنّه كان من أسّس في 1951 فرقة المسرح الجزائري التي أحزرت على مجموعة من الجوائز في الكثير من المهرجانات الدولية، ثم الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني في 1958، وبعد الاستقلال عيّن بودية مديرا للمسرح الوطني الجزائري، وأنشأ مدرسة للفنون الدرامية والرقص الشعبي، وفي 1973 عين مستشارا ثقافيا بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وساهم في بعث الحركة الثقافية والمسرحية في الأوساط الجامعية. وفي 1985 انتخب بالمجلس الشعبي لمدينة الجزائر، وأسندت له مهمة النشاط الثقافي على مستوى المدينة، حيث أسّس خمسة مركبات ثقافية ضخمة، وفي 1988 استدعي مرّة أخرى لإدارة المسرح الوطني الجزائري، توفي هذا الممثل البارز في تاريخ السينما الجزائرية يوم 28 أكتوبر 1989 بفرنسا بعد أن أعيد تنصيبه مديرا للمسرح الوطني الجزائري، مخلفا وراءه أثرا كبيرا سواء في مجال المسرح أو السينما والثقافة بشكل عام. من جهته، قاسم الفنان طه العامري الحضور بمقر جريدة "المجاهد" ذكرياته مع الفنان الراحل مصطفى كاتب مؤكّدا أنّ الفضل يعود له فيما وصل إليه الفن الرابع في الجزائر اليوم، مؤكّدا أنّه هو من اكتشف العديد من المواهب الفنية من خلال تركيزه على التكوين لاسيما سيد علي كويرات، الحاج عمر، .. قائلا: "المسرح ازدهر في عهد مصطفى كاتب والموجود اليوم هو بفضله..." ثاني شخصية دار حولها النقاش في ندوة "المجاهد" كانت الفنان الشاعر والمسرحي والكاتب والمناضل والسياسي محمد بودية، الذي راح ضحية نضاله ومساندته للقضايا العادلة في العالم، وفي مقدّمتها القضية الفلسطينية، ليكون من القلائل الذين جمعوا بين النضال السياسي والنشاط الثقافي. فبعد عطاء كبير في المسرح الوطني غادر الجزائر سنة 1965 عقب التصحيح الثوري، متّجها إلى فرنسا حيث انضمّ إلى منظمة الثورة الشعبية، وفي سنة 1967 أسّس تنظيما موازيا لجبهة التحرير الوطني وعمل إداريا في مسرح غرب باريس حيث أسّس فرقة المسرح المغاربي وسيّرها بأمواله الخاصة، ليواصل نضاله مع القضايا العادلة منها القضية الفلسطينية ويغتال من طرف الموساد في 1973. اللقاء كان فرصة أيضا لسرد مختلف الذكريات التي لا تزال عالقة في ذاكرة الأصدقاء والرفاق ممن عايشوا الرجلين.