عرفت المساحات الخضراء بولاية سكيكدة خلال السنوات الأخيرة تراجعا رهيبا بفعل زحف الإسمنت المسلح على العديد من المناطق الخضراء التي تحولت أمام فوضوية التعمير إلى مناطق عمرانية وأراض مخصصة للبناء كما هو الحال ببوعباز بمدينة سكيكدة التي كانت مبرمجة كمنطقة خضراء بامتياز لامتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون، الذي أضحى يشكل إحدى سلبيات تواجد المنطقة الصناعية البتروكيماوية القريبة من المدينة. هذا مع العلم أن المساحات الخضراء المتواجدة بسكيكدة تقدر ب1974 من بين 430 هكتار، يمكن استغلالها فعليا كمساحات خضراء، لكن تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن، إذ أن العديد من الأنسجة العمرانية لمراكز البلديات التابعة للولاية تملك فعلا مساحات خضراء نظريا حسب المخطط التوجيهي لشغل الأراضي، لكنها واقعيا تبقى غير مهيأة على الإطلاق، وعرضة للإهمال، ولعل غياب ثقافة المساحات الخضراء لدى عوام الناس جعلها آخر شيء يمكن للمجالس البلدية المنتخبة أن تفكر فيه، والدليل على ذلك الواقع المر الذي أضحت تعيشه هذه الأخيرة أنه لا توجد أزهار أو حشائش خضراء أو أشجار، والموجود منها معرض للإهمال، ناهيك عن تحول بعضها إلى أماكن لممارسة الرذيلة. وفيما يخص مدينة سكيكدة التي تعد بلديتها من بين أغنى البلديات وطنيا، فإنه يتواجد بها 24 حديقة عمومية، بعضها يعود إلى الحقبة الاستعمارية، جزء منها يتواجد بالجهة الشمالية من المدينة والباقي بالجهة الجنوبية منها، وإذا كانت الحدائق المتواجدة بالجهة الشمالية من المدينة تحظى بنوع من الاهتمام الذي يبقى في نظرنا غير كاف، فإن الباقي لاسيما تلك المتواجدة بأطراف المدينة تعرف إهمالا كبيرا وتسيبا لا مثيل له وتراجعا، فإلى جانب قيام بعض الأشخاص بإنجاز أكشاك وسطها كما هوالحال بحي الأمل وحي 500 مسكن ينعدم الماء للسقي صيفا، كما تعرف الحراسة نقصا، إذ أن 15 حارسا من أصل 20 معوقون حركيا والباقي يشتغلون إلا في الأوراق، والدليل على ذلك كما جاء في تقرير للمجلس الشعبي الولائي لسكيكدة تعرض السياج الحديدي لبعض الحدائق إلى التخريب والسرقة.. وما زاد في الوضع أكثر كارثية عدم اهتمام كل المجالس المنتخبة بهذا الملف الذي أضحت تتحكم فيه سياسة "البريكولاج" بسبب ضعف الميزانية المخصصة للبستنة والغرس، وحتى لتوظيف عدد من البستانيين المتكونين والمؤهلين، بالخصوص متخرجين من الجامعة ومن المراكز التكوينية المتخصصة.. والأمر في كل هذا افتقار مدينة سكيكدة إلى مشتلة للتجارب العلمية، وكذا لحظيرة للتسلية، أما حديقة التسلية إن صحّت تسميتها كذلك والمتواجدة بالطريق العلوي لسطورة فإن وضعها يعكس صراحة قمة الإهمال والتسيب بعد أن تعرضت مساحات منها مع سبق الإصرار والترصد لزحف للإسمنت المسلح وهذا أمام صمت الصامتين.