رغم السلطة القوية التي فرضتها تكنولوجيا العصر الحديث والتي استطاعت تقديم أكبر كم معلوماتي مبسط، إلا أن الكتاب لا يزال متربعا فوق عرشه، حيث تعج المكتبات الجزائرية بعشاق الكتب الذين يحرمون أنفسهم من الكثير من الملذات لقاء مصادقة كتاب يحمل الكثير من الأسرار والأخبار التي لا تستطيع تكنولوجيا العصر الحديث تأمينها، خصوصا أنه لا يمكن قراءة العشرات من الكتب عبر النت كونها غير قابلة للفتح أو التحميل، في الوقت الذي لا يبخل فيه الكتاب على صاحبه بكم هائل ومعتبر من المعلومات تجعله في خانة المثقف الملم بالكثير من الجوانب، والملاحظ أن الجزائري أصبح يميل بطريقة عجيبة إلى المؤلفات والكتب التي تتحدث عن مصاعب وأمراض الحياة العصرية، وعلى رأسها "القلق" الذي أثبتت الدراسات أنه مرض العصر، والذي يتسبب في الكثير من الأمراض العضوية والعصبية، القلق من المستقبل أحد الهواجس التي تؤرق جيل اليوم، وعن سر الإقبال المتواصل على هذا النوع من الكتب تحدثنا إلى شباب من مستويات ثقافية مختلفة. المعرفة الحقيقية للداء تساعد على إيجاد الدواء حكيمة 34 سنة خبيرة تجميل، قارئة نهمة للكتاب، تقضي أوقات فراغها بين المكتبات للبحث عن الجديد الذي جادت به عقول المفكرين، وتعتبر كتب العلاج بالأعشاب وأمراض القلق كتبها المفضلة، وحول سر هذا الاختيار تقول "علاوة على حبي الكبير للكتاب الذي اعتبره صديق كل الأزمان والأوقات، وجدت في الكتب التي تتحدث عن القلق وأسبابه وعواقبه الطرق السليمة للتعامل مع القلق كحالة عارضة يمكن تجاوزها وليس الاستسلام لها، لأن الاستسلام والضعف أمامه يقود آليا على المدى القريب أو البعيد إلى الانهيار العصبي أو الإصابة بالقولون العصبي، أو الذبحة الصدرية... وأظن أن الحياة غالية جدا، ونحن في غنى عن الوقوع بين أنياب القلق رغم أنه سمة العصر، من جهة أخرى كوني خبيرة تجميل أبحث عن التغيرات التي يحدثها القلق في فيزيولوجيا الأشخاص، فلا أعجب إذا رأيت امرأة كثيرة التقاسيم رغم صغر سنها، فالقلق مفسد للجمال أيضا، وهنا أحاول استعمال مهاراتي كخبيرة تجميل في رفع العضلات لاستعادة جمالها والتخفيف من التقاسيم، كما أنصحها بالرياضة والخروج في نزهة والهروب من عباءة القلق إذا كانت لا تريد أن تفقد صحتها وجمالها.
الخوف من المستقبل هاجس مشترك بين الجنسين من جهتها حياة 29 سنة موظفة ترى أن الاطلاع ومعرفة الواقع من أصحاب العلم يساعد في الخلاص أو الهروب من أمراض العصر على اختلاف أنواعها، كما تعترف أنها مصابة بهاجس الخوف من المستقبل، نظرا للتغيرات التي عصفت بحياة الأفراد، وجعلت المستقبل مبهما، تقول: "في السابق لم أكن أشكو من هذا المشكل لكن كل سنة تضاف لأجندة العمر توسع رقعة الخوف والقلق، اليوم أشعر أن المستقبل غامض أمامي، مخيف، أسعد عندما يمر اليوم بلا مشاكل أو بأقل الأضرار كما يقال، فالأجواء العائلية متوترة، والإخلاص والوفاء غاب في المعاملات اليومية، طغت المصلحة وضاع الحب والوفاء... كلها أسباب تزيد من خوفي لدرجة أن المستقبل أصبح هاجسا يؤرقني، ولطالما ودعني النوم وأنا أقضي ليال على الوسادة أتساءل عما سيحمله الغد القريب والمستقبل البعيد... وبما أنني مثقفة والحمد لله وجدت في الكتاب عزاء لعذابي وخوفي، فقد أبصرت النور من خلاله، وأدركت أنه علي أن أعيش حاضري ومستقبلي بتفاؤل، وأن أغير ما أقدر عليه دون أن أعرض صحتي النفسية للمرض". أما مهدي 25 سنة متربص بالتكوين المهني يعاني أيضا من مشكل الخوف من المستقبل الذي يعتبره غامضا ومبهما، خصوصا أنه أصبح مساعدا اجتماعيا لعائلته بعد وفاة والده، يقول: "مخيفة هي الحياة، اليوم وبعد رحيل والدي تفاقمت علي المشاكل، فقد وجدت نفسي مضطرا للعمل ومتابعة تربصي بالمعهد حتى يتسنى لي إيجاد عمل لإعالة عائلتي، وفي نفس الوقت أنا مرتبط عاطفيا وأخشى أن تؤثر ظروفي المادية والعائلية على مستقبلي مع فتاة أحلامي، خصوصا أنها مصرة على ضرورة التقدم لخطبتها حتى تتضح الصورة أمام أهلها، كل هذه الظروف جعلتني حائرا وخائفا من المستقبل.
كيف تتخلص من الخوف والقلق من المستقبل ؟.... هو كتاب من ضمن العشرات من الكتب الموجود في المكتبات، ويحمل نصائح ذهبية لاقتلاع الهواجس السلبية، هو للمؤلف يوسف القصري صادر عن دار الطائف، ويحتل الرقم 3 في سلسلة الدكتور التي تطرق من خلالها إلى علاج العقد التي تقف حجر عثرة في حياة الأشخاص على غرار الخجل والشعور بالضعف والاستسلام وكيفية التخلص من التصرفات السلبية، وبما أن الخوف من المستقبل هاجس مشترك بين بني البشر، سنعرض عليكم أهم ما جاء فيه من خلال هذه القراءة. تطرق الدكتور يوسف القصري في هذا الكتاب المتكون من 110 صفحة والذي جاء غلافه متماشيا مع محوره حاملا ألوانا مختلفة بين الأزرق والأصفر الباهت الذي يتخلله البرتقالي، وعلى يمينه صورة ظل يخوض غمار الدخول في عاصفة هوجاء، إلى أبواب هامة أول ما يطلع عليها القارئ يتبين له أن المحاور ال 34 جاءت للرد على الأسئلة التي تؤرقه. ففي المقدمة تحدث عن سمة الألفية الثالثة من الزمان والمتمثلة في القلق والخوف من المستقبل الذي أصبح حسب علماء النفس من أخطر الأمراض النفسية التي تطارد إنسان عصر التكنولوجيات الحديثة. وقد تحدث المؤلف بإسهاب حول التوأمة التي يمتاز بها القلق والخوف، وعرج على الأسباب التي تدفعنا للخوف والقلق وكيف تحدث آلية الخوف، مشيرا إلى وجهة الآخرين في الخوف الذي نعانيه، إلا أن الأمر الذي أشار إليه الدكتور هو أن النساء أكثر عرضة للخوف والقلق من الرجال، حيث يرتبط قلق وخوف الرجل بالعمل والمال، في حين يتعداه عند المرأة إلى الزواج واختيار الشريك وهوس تربية الأبناء وتدريسهم والحصول على السكن المريح وغيرها من الأمور التي تجعل حياتها سلسلة من القلق المتواصل. ودعا صاحب "كيف تتخلص من الخوف والقلق من المستقبل" إلى الهروب من الخوف وعدم إعطائه مساحة كبيرة من التفكير، ومحاربته أيضا بطرق شتى، منها التمسك بالمبادئ والقيم الدينية والأخلاقية، والبحث عن السعادة لتكون حائلا في وجه القلق، وقد عزز المؤلف نصائحه وإرشاداته بمجموعة معتبرة من الاختبارات التي تحتاج للردود عن الأسئلة التي طرحها الدكتور على الشخص، ليحدد في أي خانة هو موجود، وهل هو فعلا فريسة للخوف والقلق أم أنه أفلت من قبضتهما، وحرص على إعطاء الردود لمعرفة الوضع والحالة، حيث يحدد كل شخص حالته مع القلق. وبالمقابل يقدم حلولا متتالية كانت بدايتها أن ما نزرعه في عقولنا هو ما نحصده، حيث دعم رأيه بما توصل إليه فريق من العلماء النفسانيين، والقائل بأن ما يعاني منه الإنسان من متاعب نفسية إنما هو حصاد ما غرسه هو أو ما غرسه الغير في أدوار حياته الماضية من أفكار وتصورات وعواطف وانفعالات وميول، ودعم رأيه بما يفعله علماء التحليل النفسي الذين يقفون على ماضي المريض لعلاجه. وقدم المؤلف جملة من الحلول منها، كيف تواجه الخوف الزائد من خلال تفهم الشخص لمعنى الخوف وأسبابه، وأن يفصح الشخص عن مخاوفه أمام ذاته، وأن يعرف الأسباب الحقيقية لها وكيفية علاجها، وأن يبحث عن مباهج الحياة، وقدم جملة من الاستراتيجيات للخروج من هذه العقدة. ودعا إلى التخلص الفوري من القلق من خلال الخلاص من تخيل الأسوأ والتخلص من قلق الموت الذي يهزم الإرادة ويسحق الرغبة في الحياة، ودعا إلى ترك المهدئات لمعالجة الأرق الذي يحرم الشخص من نعمة النوم، واتباع طريقة الإيحاء الذاتي للراحة النفسية وطريقة "اليكس" الحديثة، وهي أسلوب علمي يعالج به العلماء النفسانيون مرضاهم بما يسمى بالعصف الذهني في مواجهة القلق وطريقة الردع الواقي.