خصصت الدولة في البرنامج الخماسي (2005-2009)، غلافا ماليا ضخما يفوق 1550 مليار دينار أو ما يزيد عن 18 مليار دولار، لتمويل مشاريع انجاز السكنات وتهيئة المحيط العمراني وتحسينه، وعملت على إصدار قوانين جديدة لتحيين الإطار التشريعي الذي يسير المنظومة العمرانية، ووضع حد للفوضى العارمة التي شوهت المشهد العمراني، بفعل البناءات غير المنتهية من جهة وتنامي ظاهرة انتشار بيوت الصفيح والسكنات غير اللائقة، التي بلغ عددها 400 ألف بيت على المستوى الوطني· ويعد هذا المبلغ الموزع على حصتين منها 850 مليار دينار (حوالي 12 مليار دولار) لتمويل برنامج إنجاز السكنات الجديدة ونحو 700 مليار دينار (أكثر من 6 ملايير دولار) لتحسين المحيط العمراني، أضخم غلاف مالي يستفيد منه قطاع السكن والعمران منذ الاستقلال، وقليلة هي الدول التي ترصد مثل هذا المبلغ لهذا القطاع· وقد أكد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة خلال الجلسة الاخيرة التي خصصها للقطاع، الأهمية التي يوليها لعملية انجاز المشاريع في الآجال المحددة، حاثا مسؤولي القطاع على تكثيف الجهود من اجل تنشيط وتكثيف مسار إنعاش برامج السكن المسجلة، والتي لم يتم الشروع فيها لحد الآن، وتحسين مسارات التخطيط والتسيير الحضري·· ملحا على ضرورة القيام بعمليات إعداد وإنهاء أدوات العمران ووضع حد للفوضى في العمران والهندسة المعمارية من خلال استكمال القانون المتعلق بإتمام البنايات واتخاذ الإجراءات العملية الضرورية لإنهاء العجز الهندسي للبنايات·· واستجابة لتعليماته قدمت وزارة السكن والعمران نهاية شهر جانفي المنصرم وبداية شهر فيفري أمام مجلس الحكومة الجاري، ثلاثة مشاريع قوانين تهدف إلى تنظيم النسيج العمراني الجزائري وتحسينه·· ويحدد النص الأول قواعد منح السكن الاجتماعي الإيجاري، حيث تم رفع الحد الأقصى للدخل لطالبي السكن من 120 ألف دينار إلى 24 ألف دينار شهريا، مع تبرير مدة الإقامة في البلدية المعنية والتي تنتقل من سنة واحدة إلى خمس سنوات· أما النص القانوني الثاني فيحدد من جهته قواعد مطابقة البنايات من أجل إتمام انجازها، حيث يمنح هذا القانون مهلة 5 سنوات لكل من لم يستكمل بناياته من اجل إنهاء الأشغال، وذلك بهدف وضع حد للفوضى العمرانية·· ويسمح النص القانوني الجديد لكل الذين لم يستكملوا بناياتهم بطلب رخصة إنهاء الأشغال من المصالح المعنية لاستئناف البناء، مع استثناء أصحاب البنايات التي تم تشييدها فوق شبكات الغاز أو على جانب الطرقات، والتي تعتبر غير شرعية على أساس أنها في وضعية خطيرة أو تعترض سير مشاريع ذات المنفعة العامة· من جانب آخر، يهدف مشروع القانون الثالث الذي تم عرضه على مجلس الحكومة نهاية الأسبوع المنصرم، إلى القضاء على السكن الهش، من خلال الحد من تنامي الأحياء القصديرية والبنايات غير الشرعية، حيث ينص التشريع الجديد على إجراءات صارمة ضد المواطنين الذين يخالفون القانون المعمول به في مجال العمران بهدف التحكم أكثر في الظاهرة، كون الجهود المبذولة للقضاء على أزمة السكن تتأثر سلبيا بفعل تنامي البيوت القصديرية والبناء غير المرخص بها· وتجدر الإشارة إلى أن عدد البنايات التي تم تشييدها دون رخص بناء حسب إحصائيات الوزارة، يفوق ال50 ألف مسكن في العاصمة وحدها، بينما خصصت الدولة في إطار قانوني المالية التكميلي ل2007 وقانون المالية 2008، قرابة 123 مليار دينار لإنجاز 140 ألف سكن في إطار برنامج القضاء على السكنات الهشة الذي يضاف إلى مشروع المليون سكن· وإلى حالة الفوضى المسجلة في البناء ورسم مشهد العمران الذي عادة ما تتحكم فيه السلوكات الفردية، تضاف إشكالية غياب المواطن وتنصله عن أداء واجبه الحضري الذي يسهل التحكم في عملية تسيير السكن، وقد لاحظت مصالح القطاع استحالة التحكم في تسيير الأحياء والمجمعات السكنية الاجتماعية بالشكل الذي هي عليه في الوقت الراهن، لاسيما مع الصعوبات الكبيرة التي تجدها دواوين الترقية في تحصيل مستحقات الإيجار والتي لا تتجاوز اليوم ال40 بالمائة، مع تسجيل قرابة 15 مليار دينار من هذه المستحقات لم تدفع خلال السداسي الأول من السنة الماضية·· في حين أن حل إشكال التسيير العقاري للأحياء السكنية في الجزائر لا يمكن أن يقتصر على برامج التحسين وصيانة الأحياء السكنية المتدهورة، وإنما يستدعي وضع آليات جديدة وسياسة مستديمة تنظم عملية تسيير الأحياء بمشاركة فعلية وفعالة للمواطنين، وتعمل على إرساء ثقافة الساكن المتحضر·