هل بدأ العد العكسي للجامعة العربية بعد خمس وخمسين سنة منذ ميلادها كهيكل تنظيمي لتوحيد الصف العربي ولكنه وصل اليوم إلى نهايته المحتومة تماما كما كان الأمر بالنسبة للعديد من التكتلات المماثلة التي وجدت لمقتضيات ظروف محددة واختفت لأسباب فرضتها تطورات أخرى؟ ويتأكد من يوم لآخر أن أمر التغيير أصبح مفروضا بعد أن تأكدت محدودية دور الجامعة العربية في التكفل بالقضايا العربية حتى المصيرية مما جعلها تتحول إلى مجرد هيكل غير قادر على مسايرة تطورات عربية متسارعة فرضتها الصيرورة الدولية. وعندما يقول رئيس الجامعة الرئيس الليبي أن الشعوب العربية ملت الخطابات والكلمات فإنها قناعة على أن الشعوب العربية لم تعد تثق في دور هذه الجامعة. وعندما يطالب الرئيس اليمني علي عبد الله صالح بضرورة تغيير اسم الجامعة إلى اتحاد عربي، مقترح يحمل هو أيضا دلالات غير معلنة على مثل هذا الفشل وتأكيد على حتمية الشروع في عملية التغيير الجذري. وهي القناعة ذاتها التي يمكن استخلاصها من تأكيدات الرئيس السابق للجامعة الأمير القطري الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الذي اعترف أن الجامعة لم تتمكن حتى من القضاء على خلافات أعضائها. وهي كلها قناعات لرؤوساء عرب صبت في ضرورة إعادة الجلوس إلى الطاولة بروية وتعقل من أجل البحث عن كيفية لتأهيل الجامعة العربية بإعادة هيكلتها حتى تقوم بالأدوار الموكلة لها. ولعل المقترح الجزائري بتدوير منصب الأمين العام للجامعة العربية يبقى اول دعوة في سياق التغيير المرجو ولكنه خطوة ذات أهمية كبرى من اجل البدء في إحداث حركية جديدة وضخ دم جديد إلى عروق جامعة بدأ يصيبها جفاف تدريجي بسبب جمودها وغياب كل حركة عن جسمها العليل. وهو ما يجعل التغيير أمر أكثر من ملح عندما يكون ذلك الجسم غير قادر على الاضطلاع بالمهمة الموكلة له ويستدعي من أصحابه التحرك قبل موته النهائي وقبل أن يقع بين أيديهم جثة هامدة ولن يتمكنوا بعدها من ضخ الروح فيه. وحتى وان أبدت بعض الدول الأعضاء في هذا الهيكل مقاومة للأمر لحسابات معينة فذلك يبقى أمرا طبيعيا على اعتبار أن كل تغيير عادة ما يواجه بمقاومة شرسة ولكن منطق التغيير كثيرا ما يتغلب على حالة الجمود بكسب المزيد من التأييد مادامت الغاية منه تحقيق المصلحة العامة. وحتى وإن كان المقترح الجزائري أثار ضجة ورفضا معلنا من دولة المقر الحالية فإنه يبقى خيارا لابد منه لإحداث التغيير السلس ليس لأنه مطلب شرعي وتسير به كل الهيئات الدولية والإقليمية في العالم بل من اجل وضع حد لحالة اللاثقة التي أصبحت تطبع المواطن العربي في جامعة لم يعد يرى فيها سوى مجرد عبء مالي إضافي الأفضل التخلص منه قبل الإفلاس النهائي. فالجامعة العربية ليست أحسن من الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي ولا من اتحاد دول شمال أمريكا ولا جنوبها وتكتل دول جنوب شرق آسيا حتى يتم استثناؤها من خيار تدوير منصب الأمين العام وهي قاعدة أصبحت مكرسة في العرف الدولي وليست بدعة من دولة عربية بقناعة أنها فكرة لبعث الروح وليس لحسابات قد يفهم منها ضرب مصالح دولة على حساب أخرى ولكن حتى تعطى الروح اللازمة للعمل العربي ولا يهم حينها تسمية هذا الهيكل باسم جامعة أو اتحاد أو تكتل. ويجب القول أن التغيير كان يجب أن يحدث قبل هذا التاريخ بل نحن تأخرنا في إحداثه مقارنة بتجمعات مماثلة حتى في القارة الإفريقية إذا أخذنا بعين الاعتبار تلك الهزات التي ضربت ''الجسم الدولي'' منذ انهيار المعسكر الشيوعي وكل الأحداث التي تلته. كما ان بعث نفس جديد في عمل الجامعة العربية لم يعد أمرا يحمل خلفيات سياسية ولكن تفرضه مواقف الجامعة العربية نفسها التي عجزت على اتخاذ موقف قادر على مواجهة أوضاعا طارئة بمثل ''الوضع المأزق'' الذي تمر به مدينة القدسالمحتلة هذه الأيام وبقي العرب وكأن الأمر لا يعنيهم إلا من تصريحات وتنديدات لم تغير في واقع الامر شيئا. ثم ماذا ينفع الفلسطينيين مبلغ نصف مليار دولار الذي وافقت الدول العربية تقديمه للمقدسيين وقد أصبحوا مهددين في وجودهم وليس في بطونهم وبعد أن حولت إسرائيل لغة التعامل من بناء الجدران العازلة إلى الجرافات الهادمة لمنازلهم ومقدساتهم. وحتى العمل السياسي العربي لمواجهة إسرائيل أصبح محاصرا بعد أن فقدت مبادرة السلام العربية جدواها ولم يستطع العرب من إيجاد بديل لها للحصول على الحق الفلسطيني والعربي وحتى الإسلامي الضائع إلا اللجوء إلى الولاياتالمتحدة تقول أنها حليف إسرائيل وهي التي عجزت حتى الآن على تمرير أفكارها لتحقيق السلام الذي وضعته من بين أولويات استراتيجيتها.