لم يكشف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون جديدا عندما خلص في تقريره المنتظر تقديمه إلى مجلس الأمن إلى قناعة استحالة التوصل إلى مخرج للنزاع القائم في الصحراء الغربية بسبب رفض كل طرف مقاربة الآخر وتمسكه بموقفه المبدئي.وعندما يقول بان كي مون أن المغرب وجبهة البوليساريو ما زالا مختلفين بشأن مستقبل حل نزاع الصحراء فتلك حقيقة قائمة ولو كانا توصلا إلى حل لما استدعى الأمر إصدار هذا التقرير ولكانت مأساة الشعب الصحراوي قد انتهت منذ سنوات. وقال كي مون إنه لا أحد من الطرفين مستعد لقبول الاقتراح الذي يقدمه الطرف الآخر ليكون الأساس الوحيد للمفاوضات في المستقبل وإنه لا شيء من المحتمل أن يتغير في المستقبل المنظور. وفقدت تصريحات الأمين العام الاممي كل عنصر للمفاجأة وظهرت وكأنها استنساخ لتقارير سابقة رفعها إلى الهيئة الأممية بخصوص هذا النزاع والتي أكدت فشل الأممالمتحدة في إحداث ''هزة '' كفيلة بتحريك مسار آخر نزاعات تصفية الاستعمار في افريقيا. وكان يمكن لتقرير بان كي مون أن يحدث الاستثناء ويزيل كثيرا من الغموض حول حقيقة ما يجري لو انه اعترف صراحة بأن المغرب أعاق عمل موفده الخاص إلى الصحراء الغربية كريستوفر روس كون الرباط رفضت مفتاح الحل الذي أشار إليه نص اللائحة الأممية 1871 التي أقرت بمبدأ تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية. وظهر الأمين العام الاممي وفق نظرته للنزاع انه عاجز وانه مكتوف الأيدي على القيام بتحرك باتجاه تمكين الأممالمتحدة الاضطلاع بمهمتها في إنهاء هذا النزاع كما فعلت ذلك في نزاعات مشابهة كثيرة. وكان يمكن لبان كي مون أن يدخل التاريخ لو انه قال صراحة أن عرقلة التوصل إلى حل نهائي لهذا النزاع إنما يعود إلى أطراف في مجلس الأمن نفسه التي تصادق على لوائحه ولكنها لا تجد حرجا في التحرك ضد تطبيقها وإفشالها على ارض الواقع. ولولا ذلك ما استأسد المغرب طيلة هذه السنوات متمسكا بموقفه الرافض لكل شرعية دولية وراح يعارض ويفرض مقاربته على أنها الحل الوحيد لا بد أن يمر عبر الحكم الذاتي وأما ماعدا ذلك فقد تجاوزه الزمن. وكان على بان كي مون أن يطالب فرنسا تحديدا لان الأمر يتعلق بها بوقف سياستها المعرقلة وان تكف عن وضع مصالحها ومصالح نظام المخزن المغربي على حساب مصالح شعب بأكمله في موقف استهتار ليس فقط بالشرعية الدولية وحقوق الشعوب ولكن بأعضاء مجلس الأمن الآخرين التذين بقوا في موقع المتفرج وكأنه غير معنيين بتنفيذ قرارات تخص نزاعا قائما منذ 35 عاما. ولولا هذا الاستهتار لما تجرأ الناطق باسم الحكومة المغربية خالد الناصري الضحك على أذقان كل العالم بأن المغرب هو الطرف الوحيد الذي يتعامل بجدية مع المقاربات الأممية المتعلقة بملف نزاع الصحراء مع انه ما انفك يصر التأكيد على رفض كل الحلول الأخرى للنزاع إلا بخيار الحكم الذاتي الذي يبقي الصحراويين تحت سيطرته في تعارض صارخ مع كل اللوائح الأممية التي أكدت على حقهم في اختيار مصيرهم. ولولا ذلك أيضا لما تطاول الوزير المغربي ليقول أن بلاده تفاعلت إيجابا مع الأممالمتحدة ومجلس الأمن والأمين العام الاممي ومبعوثه الخاص بدعوى رغبة الرباط في الخروج من النفق الذي لا يراه الناصري إلا بعين مغربية ستدخل بصورة تلقائية الصحراويين في ظلمة استبداد مخزن حاقد. وتأتي تصريحات الرقم الأول الاممي ليس لنزع المسؤولية على الأممالمتحدة التي مازالت تعتبر القضية الصحراوية قضية تصفية استعمار ولكنها حملت الهيئة الأممية كامل هذه المسؤولية لأنها فشلت عبر مجلس الأمن من تنفيذ لوائح صادق عليها أعضاؤه بالإجماع ولكنهم فشلوا في تكريسها على ارض مأساة طالت.