فتحت وزارة العلاقات مع البرلمان أمس النقاش حول ظاهرة تغيير المنتخبين لانتماءاتهم السياسية بمجرد فوزهم بالعهدة، وأجمع المشاركون من باحثين وأساتذة ورؤساء أحزاب ومنتخبين على ضرورة إيجاد آليات قانونية لمنع ما يسمى بالتجوال السياسي وفرض ضوابط تنهي كل مظاهر التفسخ. ونظمت الوزارة أمس بالنادي الوطني للجيش ببني مسوس بالعاصمة ندوة جاءت حول موضوع ''المقتضيات القانونية والسياسية والأخلاقية للعهدة الانتخابية'' شارك فيها أساتذة وباحثون ورؤساء أحزاب من بينهم الأمينة العامة لحزب العمال السيدة لويزة حنون ونواب في المجلس الشعبي الوطني، وتحول هذا الفضاء إلى ''محاكمة حقيقية'' لكل المنتخبين الذين يطلقون أحزابهم بمجرد أن يفوزوا بالعهدة الانتخابية، وكذا تنصلهم من كل العهود التي قطعوها خلال حملتهم الانتخابية. وعرفت الندوة تقديم الموضوع من زوايا مختلفة، ففي الوقت الذي حرص فيه الأساتذة على تقديم التفسير القانوني لهذه الظاهرة، ركزت السيدة لويزة حنون وأعضاء في البرلمان في مداخلاتهم على الجانب السياسي لما له من تأثير مباشر على الحياة السياسية في البلاد ككل. وفي هذا السياق أكد وزير العلاقات مع البرلمان السيد محمود خوذري أن''بناء دولة المؤسسات والقانون يقوم على احترام الإرادة الشعبية وإشراك المواطنين في القضايا المصيرية عبر المؤسسات والمجالس المنتخبة التي تضم خبرة النساء والرجال من بين النخب القادرة على تحمل المسؤوليات والتكفل بانشغالات المواطنين وتجسيد تطلعاتهم بأمانة ونزاهة وتفان والتزام''. وحث على التفكير في الأسباب التي تدفع إلى عزوف المواطنين عن التصويت أو اللجوء إلى التظاهر والانقلاب على ممثليهم في المجالس المنتخبة، وأشار إلى أن غياب الثقة في المنتخبين تستدعي إعادة النظر في طريقة اختيار المترشحين. وسار عضو المجلس الشعبي الوطني والمختص في القانون الدستوري السيد مسعود شيهوب في نفس الاتجاه واقترح تفعيل النصوص القانونية التي تؤطر عمل المنتخبين وهي 10 نصوص حسب قوله، منها ما تعلق بحالات التنافي بين المناصب وإسقاط العضوية الذي ينظم آليات استقالة عضو البرلمان. ودعا الأحزاب السياسية إلى المبادرة بإصلاحات عميقة تتضمن تحسين عملية اختيار المرشحين في قوائمها لمختلف الاستحقاقات، سواء كانت محلية أو وطنية، ويرى أن الساحة السياسية أصبحت ''سوقا سياسيا'' وهو ما يستدعي تقديم ''بضاعة'' قادرة على جلب ناخبين، وربط ظاهرة عزوف المواطنين عن أداء واجبهم الانتخابي بسوء اختيار المترشحين. وكانت السيدة لويزة حنون من أبرز الوجوه السياسية التي حضرت أشغال الندوة، وساهمت في إثراء النقاش فيها خاصة وأن حزبها يعد أول تشكيلة سياسية معنية بظاهرة استقالة المنتخبين في صفوفه، وتحدثت في تدخلها عما أسمته الفساد المنتشر في الحياة السياسية الوطنية، وطالبت بحلول لتطهير الحياة السياسية من بعض الممارسات التي تسيء إلى العمل السياسي وتشكك في مستوى ومصداقية الطبقة السياسية. وأشارت إلى أن حزبها اقترح مشروع قانون في هذا الشأن غير أن المجلس الشعبي الوطني لم يفصل فيه إلى حد الآن، وجددت في هذا السياق دعوتها إلى تعديل قانون الانتخابات الحالي على نحو يسمح بمنع الترحال السياسي وإلزام النواب الذين يغيرون مجموعاتهم البرلمانية بتسليم العهدة كما هو معمول به في عدة دول. وبمقابل هذا التصور السياسي للمقتضيات القانونية والسياسية والأخلاقية للعهدة الانتخابية اعتبر الدكتور الأمين شريط أنه من غير المنطقي أن يتم سحب العهدة الانتخابية من أي منتخب كان سواء محلي أو وطني، كون القانون واضح في هذا الشأن وحتى الأخلاق السياسية تفرض ذلك بحيث يكون المنتخب مسؤولا في المقام الأول أمام الذين صوتوا عليه وليس الحزب، وأشار في مداخلة تحت عنوان ''العهدة الانتخابية من حيث التأصيل والأبعاد'' أنه من غير المنطقي اختزال دور المنتخب في انتمائه السياسي أو الحزبي، خاصة وأن التشكيلات السياسية تعاني من عدة أمراض منها غياب الديمقراطية في صفوفها. وخلص المحاضر إلى التأكيد أن حماية الحياة السياسية في بلادنا من التلوث لا تكفي بالنصوص القانونية فقط ولا بد من احترام القواعد السياسية والضوابط الأخلاقية. ومن جهته قدم الأستاذ عمر صدوق الإطار التشريعي الذي ينص على كيفية التعامل مع تلك الظاهرة وأشار إلى أن الدستور الجزائري بتوفره على نصوص تفي بالحاجة للتعامل مع أشكال الفساد السياسي ورفع الحصانة ومنها المادة 21منه ''لا يمكن أن تكون الوظائف في مؤسسات الدولة مصدرا للثراء ولا وسيلة لخدمة المصالح الخاصة''.