الآن وقد هدأت العاصفة وتراجع النقاش حول المشاركة الجزائرية في المونديال الجنوب افريقي، قد نتساءل في هدوء من الرابح ومن الخاسر في هذه المعادلة وكيف يجب أن ننظر إلى مستقبل المشاركة الجزائرية كيف ستكون؟يبدو من الوهلة الاولى أن الإجابة عمن هو الرابح بسيطة لا تحتاج إلى لحظة تفكير، لأنها ليست شفرة معقدة، وقد لا أخطئ إذا قلت بأن الرابح كان السيد رابح سعدان المدرب الوطني، لأن بنود عقده تتحدث عن التأهل فقط إلى الدورة النهائية لكأس افريقيا للامم 2010 التي اقيمت في جانفي الفارط بأنغولا، لكن سعدان تجاوز هذا السقف، ولم يكتف بالمشاركة في الدورة النهائية، بل كاد يكون بطلها، لولا اخفاق المنتخب الوطني في الدور نصف النهائي منها، كما ان الصعود إلى نهائيات المونديال لم يكن واردا حتى في تفكير مسؤولي الاتحادية الجزائرية عندما تعاقدوا معه. سعدان.. حقق ما هو أكبر من التأهل إلى كأس إفريقيا ومن هنا يمكن القول ان سعدان كمدرب حقق ما هو اكبر من سقف الاهداف والتوقعات، وقاد المنتخب الوطنى إلى جنوب افريقيا باقتدار، وربما نجح ايضا في اعادة الإشراقة إلى الكرة الجزائرية، لأن الصورة التي ظهر بها تعدادنا امام انكلترا والولاياتالمتحدة، كانت توحي بأن هذا التعداد كان بحق كبير مع الكبار، وان خروجه في الدور الاول لم يكن نتيجة اخطاء تقنية او تكتيكية، بقدر ما كرسته صعوبة المجموعة التي كان يلعب ضمنها والتي ضمت سلوفينيا، المنتخب الذي استحق التنويه، لأنه لعب قويا وخرج قويا ايضا، بعد ان حصد اربع نقاط من فوز وتعادل بالأهداف امام الولاياتالمتحدةالامريكية. وربما لا يشاطرني البعض هذا الطرح، لكن عند مراجعة كل بنود عقد المدرب الوطني، يتأكد لكل منتقديه ان الرجل حقق ما هو مطلوب منه، مما يعني انه غير مسؤول عن خروجنا من الدور الاول ولا حتى عن بعض النقائص التي سجلت، بل ان قيادته للمنتخب إلى المونديال تعد تجربة كنا في حاجة اليها للوقوف على مستوانا الحقيقي ومعرفة ماذا ينقصنا وما يجب فعله لمواجهة تحديات المستقبل. وتكفي هنا الإشارة إلى ما قاله المدرب رابح سعدان الذي قال في نهاية مباراة الجزائر - الولاياتالمتحدةالامريكية يوم 23 جوان الفارط بملعب تيشوان ببريتوريا، حين علق على المشاركة الجزائرية، مؤكدا على انها كانت تجربة ناجحة. روراوة.. الرجل الذي كسب كل المعارك كما يمكن اعتبار السيد محمد روراوة رئيس الاتحادية الجزائرية من الرابحين الكبار، فقد كرس عودته إلى الساحة الكروية الوطنية بإنجاز شخصي كبير تمثل في الاهتمام بالمنتخب الوطني ومنتخبات الفئات الأخرى، إلى جانب العمل على استقرار الاطقم الفنية، لأنه بحنكته كمسيير كفء، كان يدرك أن الاستقرار يعد من انجع السبل لتحقيق النتائج المرجوة. كما اعاد الكرة الجزائرية على اكثر من صعيد وخاض معارك شرسة، حقق من خلالها انجازات معتبرة، حيث حافظ على منصب الجزائر في الاتحاد العربي لكرة القدم كنائب اول لرئيس هذه الهيئة، وترأس اتحاد شمال افريقيا لكرة القدم، ولعب دورا رئيسيا ومؤثرا في ازمة مباراة الجزائر - مصر التي اقيمت بالقاهرة في 12 نوفمبر من السنة الفارطة. والكل يعرف كيف استطاع ان يدافع عن حظوظ المنتخب الوطني اثناء هذه الازمة وكيف فضح جماعة زاهر في الاتحاد المصري لكرة القدم، وكيف كشف المستور حتى داخل هذا الاتحاد، فكانت النتيجة إدانة ''الفيفا'' للاتحاد المصري، وتهديد مصر بالإقصاء من كل المنافسات الدولية، إذا تكررت اعمال العنف تجاه ضيوفها في منافسات قادمة. مثل هذه المواقف لابد ان تسجل لهذا الرجل كرئيس ل ''الفاف'' في واحدة من اهم محطات كرة القدم الجزائرية التي غابت عن المستوى العالمي لمدة 24 سنة، كما انها تعد من اهم انجازاته الشخصية على الإطلاق، بالنظر إلى المخاض الذي خاضه في ظل معارك شرسة على اكثر من صعيد، خاصة وانه كان وراء ورقة اللاعبين المحترفين من مزدوجي الجنسية، حيث ادخل هذه الورقة كملف إلى ''الفيفا'' للدراسة واتخاذ القرار، واستطاع ان ينتزع منها الموافقة على ضمهم إلى منتخبات بلدانهم الأصلية، رغم المعارضة الفرنسية في هذا الشأن والتي كانت الخاسر الأكبر في كل شيء. كما كانت الكرة الجزائرية هي الرابح الأكبر، بعد ان وضعت نواة صلبة لمنتخب المستقبل، الذي لا يحتاج سوى لرتوشات صغيرة، على بعض مستوياته كالهجوم مثلا، والفكرة موجودة، وسيتم تكريسها في القريب العاجل. وعندما نقول المنتخب الوطني هو الرابح الاكبر، فهذا يعني ان هذا المنتخب بات يملك تعدادا ثريا، ويضم مواهب شابة صاعدة، سيكون لها باع طويل في المستقبل، حيث تكفي الاشارة إلى تهافت اكبر الاندية على خدماتهم، كما ان هذا المنتخب بات ينعم بالاستقرار على جميع مستوياته وطواقمه. امبولحي أحسن حارس في الدور الأول أما بالنسبة للرابحين من اللاعبين، فقد يكون العدد كبيرا، لكن قد نركز في هذه العجالة على الأكثر تألقا منهم، وربما لا يختلف اثنان حول الحارس امبولحي، فهو الاكتشاف الاول في تعداد المنتخب الجزائري، وهو الحارس الاحسن على الإطلاق في الدور الاول من نهائيات المونديال بدون منازع بالرغم من وجود اسماء كبيرة لحراس كبار، يتقدمهم الإسباني كاسياس؛ امبولحي وباعتراف الخصوم قبل الأصدقاء، كان صخرة منيعة في لقاء انكلترا يوم 18 جوان بملعب كيب تاون، كما كان الكل في الكل في لقاء الولاياتالمتحدةالامريكية يوم 23 جوان بتيشوان ببريتوريا، وربما يعد الأحسن من ابناء جيله، حتى لا اقول أحسن من حرسوا مرمى المنتخب الجزائري على الإطلاق. مجيء امبولحي إلى المنتخب الجزائري محا شاوشي، واعاد النظر في امكانية الاعتماد على هذا الاخير مستقبلا، وطمأن الجماهير الكروية الجزائرية، بأن عرينها بات يملك من يحرسه وعلى شاوشي ومن يأتي لتعويض قاواوي المطالب باعتزال اللعب دوليا، ان يفكروا جيدا، بأن الانضباط والجدية والقوة الذهنية والتركيز، هي المقاييس التي ترسم كل لاعب اساسي. إلى جانب امبولحي، يمكن اعتبار بودبوز المحترف القادم من البطولة الفرنسية من بين اهم الاكتشافات التي نالت اعجاب الجماهير الجزائرية وحظيت باهتمام كبير من قبل سماسرة المونديال، خاصة من فرنسا وايطاليا وانكلترا. ويقول الكثير من النقاد ان هذا اللاعب الموهوب يملك كل مواصفات اللاعبين الكبار وسيكون له شأن كبير في المستقبل القريب، خاصة وانه استفاد كثيرا من المونديال، بالرغم من انه لم يكن اساسيا في كل المباريات، ويقولون ان مباراة انكلترا كانت المرجع بالنسبة لبودبوز. كما كان اللاعب بلعيد هو الآخر ثمرة اكتشافات سعدان وكل الذين كلفوا بمتابعة لاعبينا في الخارج، على غرار قادير ومجاني وغيرهم ممن اصبحوا ارقاما مطلوبة من قبل اكثر الاندية الفرنسية شهرة وشعبية، فهم يتمتعون بتركيز عال وبذهنية محترفين حقيقيين، كما ان سنهم الذي لا يتجاوز ال 22 سنة، سيسمح لهم باللعب لفترة اطول على اعلى مستويات اللعبة مع انديتهم ومع المنتخب الوطني. ومن الرابحين ايضا لابد من الاشارة إلى عدلان قديورة، الوجه الجديد الذي جاء مع الدفعة الجديدة للمواهب الشابة التي يبني عليها المنتخب الوطني مستقبله واهدافه، والتي يراهن عليها كل مدرب يتولى العارضة الفنية، في حالة ذهاب المدرب رابح سعدان. وربما هناك الكثير من الاسماء التي يمكن ضمها إلى فئة الرابحين من المونديال، وفي هذا الصدد لابد من ترصد آخر اخبار النجوم الكبار امثال بوقرة الذي تتاهفت عليه اندية انكليزية كبيرة، وبلحاج الذي قد يلعب موسمه القادم في ايطاليا وبالتحديد في صفوف نادي لازيو، وكذا اللاعب حسن يبدة الذي قد يلعب في البرتغال، وربما لحسن مدحي الذي عرض للبيع من قبل ناديه سانتاندر الإسباني بعد ان اصبح غير قادر على دفع راتبه العالي. الخاسرون.. زياني ومنصوري أما الذين خسروا المونديال فهم ايضا كثيرون، وربما هناك من دخلوه وهم في هذه الخانة وفي مقدمتهم اللاعب يزيد منصوري، الذي فقد شارة القائد قبل ان يخسر مكانته كأساسي في التشكيلة، وقد يكون غزال عبد القادر الذي ذهب ضحية عوامل عديدة من الخاسرين ايضا، بعد ان فقد مكانه كأساسي وتعرض للطرد بالبطاقة الحمراء في اول مباراة امام سلوفينيا، وحتى عندما عاد في اللقاء الثالث امام الولاياتالمتحدةالامريكية، عاد ظلا لنفسه. وربما كان قائد المنتخب الوطني عنتر يحيى من الخاسرين الكبار، لا لأنه فشل في قيادة المنتخب، ولكن لأنه انهى المونديال مطرودا، وهي نقطة سوداء تسجل ضده، بالرغم من انه كان يشكل اهم مفاتيح الدفاع الجزائري. كما يمكن اعتبار صانع الألعاب كريم زياني من الخاسرين لأنه لم يتألق بالشكل المطلوب وربما كان عالة على المنتخب الوطني في هذه المرحلة بالذات، لأنه افتقر إلى التركيز وفشل في الربط بين الخطوط الثلاثة وكان ميالا للهروب إلى الأجنحة، وقد كان السبب في فرملة زميله بلحاج صاحب النزعة الهجومية، كما خسر قاواوي المونديال ولم يوظف. شاوشي نقطة سوداء أما الحارس فوزي شاوشي، فقد شكل نقطة ضعف أساسية في صفوف المنتخب الوطني، فكان وراء نكسة اليوم الاول أمام سلوفينيا، حيث كان السبب الرئيسي في الهزيمة، باعتبار ان الهدف الذي سجل عليه لن يدخل شباك حارس مبتدئ، كما ان سلوكات شاوشي ونزواته الكثيرة أرغمت المدرب الوطني رابح سعدان، على اعادة النظر في ترتيبه ضمن التشكلية الوطنية، بدليل انه زحزح إلى المرتبة الثالثة، فضلا عن ان سهم هذا الحارس تأثر في بورصة هذه الصائفة، وقد تردد ان رئيس ناديه وفاق سطيف ينوي التفاوض معه انطلاقا من قاعدة جديدة اقل بكثير من تلك التي فاوضه على اساسها في الموسم الفارط...