في الوقت الذي ينفصل فيه معظم الأبناء عن أوليائهم عند الزواج ليقتصر دورهم في خطبتها وإتمام مراسيم الزواج، نجد أن الأمر يختلف تماما في ولاية تيارت، حيث ما زالت مهمة اختيار العروس توكل إلى الوالدين باعتبارهما الأقدر والأكفأ على اختيار البنت ذات الحسب والنسب المشرف وفي المقابل لا يعرف الإبن شكل عروسه إلاّ ليلة الزفاف. التقت ''المساء'' لدى تجوّلها بالخيمة التيارتية التي حطّت رحالها بالعاصمة وبالضبط في ساحة الكيتاني مع الحاجة ''رقية عدة'' التي خصص لها جانب بالخيمة لعرض الأواني التقليدية، وتعدّ الحاجة رقية بمثابة المرجع التاريخي للحديث عن عادات وتقاليد ولاية تيارت. ولأن فصل الصيف هو موسم الأفراح والأعراس، رغبت ''المساء'' في معرفة العادات التي لا يزال التيارتيون يحرصون عليها في أعراسهم. الإبن لا يعرف عروسه والمصروف شرط لابد منه حتى نتعرف على الطريقة التي يتم بها إقامة العرس بولاية تيارت، رغبت الحاجة رقية في إطلاعنا على مراحل العرس خطوة خطوة وذلك بدءا بمرحلة الخطبة، حيث قالت ''في عاداتنا التي لا نزال نحرص عليها إلى حد الآن لا يجوز للإبن المقبل على الزواج اختيار عروسه بنفسه وإنما يقرّر والداه عند بلوغه سن الزواج البحث له عن العروس التي تناسبه، والتي تكون ذات حسب ونسب مشرف، بعدها نقصد بيت العروس ونطلبها من أهلها، وفي المقابل يمنح لنا الأهل مهلة للسؤال عن إبننا وأوضح هنا أن أهم ما يتم السؤال عنه هو إن كان العريس لا يعاني من أي عاهة أو مرض فقط، ولا يهم إن كان عاملا أو لا لأن الإبن سيعيش في أحضان العائلة ويظل الأب هو المسؤول عن تلبية كل احتياجات الأسرة، وبعد انتهاء المهلة نعود إلى بيت العروس حاملين بجعبتنا ما نسميه ''المصروف'' وبمجرد أن يشار إلينا بالموافقة على طلبنا نخرج المصروف ونمنحه لعروسنا ونقصد بالمصروف تشكيلة بها ''سكر وقهوة وحنة وقارورة عطر'' تعد هدية لابد أن تقبلها العروس بعد الموافقة وفي المقابل يتم الإتفاق بين الرجال على مهر الفتاة الذي يدفع في الحين وعلى العموم لا يتعدى سقف 12 مليون سنتيم مرفقة بقرطين وخاتم وسلسلة من ذهب هذه الأخيرة لا تقدم للعروس إلاّ بعد أن تدخل بيتها الزوجي وتسمى ''بالسلسلة المؤخرة''، بعدها تقرأ الفاتحة بحضور الطالب ويتم الإتفاق على موعد العرس''. رفع قصبة بها علم فوق الدار تقليد لا غنى عنه بعد الانتهاء من مراسيم الخطبة، يبدأ أهل العريس في الاستعداد للعرس ولعلّ أول شيء يتم القيام به هو إقدام والدة العريس على رفع قصبة بها علم يعلق فوق الدار أو الخيمة للدلالة على أن بيت فلان في موعد مع عرس. وحول هذا التقليد، تقول الحاجة رقية ''عند عودتنا من بيت أهل العروس تقوم والدة العريس بدعوة الأهل والأحباب وتقوم بتحضير طبق ''الدشيشة المفلقة'' الذي يعدّ بالدهان والماء ودشيشة القمح، هذه الوجبة التي تعدّ ''فال العلام'' حيث تقدم للمدعوات وكنوع من الفأل وتقوم كل واحدة من المدعوات بعقد عقدة بالعلم تضع بداخلها حنة أو سكر أو دراهم ويسمى ''بباروك العلام'' في جو تتعالى فيه الزغاريد والأغاني والرقصات، وأشير إلى أن العلم يعلق يوم الإثنين لأننا نتبرك به كون النبي صلى اللّه عليه وسلم ولد يوم الإثنين. العروس تغطى والاحتفال لا يكتمل إلاّ بالبارود والفرسان وشيوخ القصبة تواصل الحاجة رقية سرد تفاصيل العرس التيارتي علينا قائلة ''إن أول شيء يتم القيام به عند اقتراب موعد العرس هو دعوة الجيران والأحباب وتقوم بهذه المهمة والدة العريس، حيث تحصل الأخيرة على مقدار من السكر عند كل بيت توجه إليه الدعوة، لأن السكر يعدّ بمثابة الفأل الحلو، بعدها يتم إقامة وليمتين الأولى تقدم إلى ''سيدي عبد القادر'' وهو ولي صالح تقدم إليه الولائم في جميع الأفراح، أما الوليمة الثانية فهي وليمة العرس، حيث نذبح من ثلاث إلى خمس نعجات، وعند المجيء بالعروس إلى بيت الزوج تقوم والدة العروس بغسل رقبة النعجة بالحنة والسكر ثم تذبح النعجة ويسال دمها في وعاء ويدفن بالتراب حتى تظل بعض تفاصيل العرس في المستور، بعدها تكلف والدة العروس بتنظيف وطبخ الدوارة وتزليف رأس النعجة أما البطانة أو ''الهيدورة'' فتغسلها والدة العروس بالحنة والسكر حتى تكون العروس طيبة على أهل زوجها. ومن جهة أخرى تنبهنا الحاجة رقية إلى أن العروس عند دخول بيت زوجها يزال عنها بالبرنوس ويغطى وجهها بوشاح، حيث يمنع على النسوة النظر إليها ومن تريد أن تعرف شكل العروس ينبغي أن تدفع المال، حيث تجلس العروس داخل غرفتها ويتم توجيه وجهها نحو الجدار. وتشير الحاجة رقية إلى أن أعراس تيارت التقليدية خالية من أغاني العصر أي ال''ديسك جوكي''، وإنما يعتمد على الأغاني التقليدية التي تتغنى بها العجائز وتحمل في مضمونها معاني وحكم تكون ممزوجة بإيقاعات البندير وتصفيقات الفتيات اللواتي يلهبن العرس برقصاتهن عسى أن ينلن إعجاب إحدى العجائز دون أن ننسى الاحتفال الذي يقيمه الرجال، حيث يركض الفرسان على الخيول تحت طلقات البارود في مساحات شاسعة ولمن يملك المال يتم دعوة الشيوخ القصابين والراقصات وبألحان القصبة والتبراح يغني القصاب أغاني بدوية إلى غاية طلوع الفجر. والدة العروس تودع بمأدبة المشوي والهدايا تحظى والدة العروس في الأعراف التيارتية بالتقدير والاحترام الشديدين، حيث يتم دعوتها للعشاء رفقة باقي المدعوين كما تقول الحاجة رقية، ويعتبر الكسكسي الطبق الوحيد في أعراس التيارتيين ويعدّ بلحم النعاج ليلة الاحتفال بقدوم العروس وفي اليوم الموالي تفطر والدة العروس وإبنتها العروس على ما يتم إعداده من ''طواجن'' كطاجين لحم الحلو وطاجين البازلاء الخضراء وطاجين الزيتون، إلى جانب المشوي والمحمر اللذين يعدّان من أهم الأطباق التي تعدّ خصيصا لإفطار العروس ووالدتها وبعد الانتهاء من الإفطار تأتي مرحلة التحزيمة التي تقول محدثتنا إنه إجراء لابد منه، حيث تتقدم سيدة كبيرة في السن وينبغي أن لا تكون متزوجة مرتين فتقوم بتحزيم العروس التي ترتدي البلوزة التيارتية بيضاء اللون ويتم عقد السكر عند أكتاف العروس ويوضع في كم ذراعها الحلوى ومكعبات السكر وغيره من السكريات بعدها تتجوّل العروس بين النسوة الحاضرات وتوزع عليهن الحلوى ليتم إدخالها إلى المطبخ، حيث تكلف بإعداد قهوة المساء للحاضرين وهي آخر مرحلة في العرس التيارتي. ولحظة توديع الأم لابنتها، يقدم لوالدة العروس نعجة كهدية ومبلغ مالي يتراوح بين 5000 إلى 7000 دج كما تقدم كذلك للأطفال الذين جاءوا مع أهل العروس مبالغ مالية رمزية، هذه الأموال التي توزع تسمى ''بالضيفة'' ومن خلالها يتم توديع أهل العروس.