تتسبب بعض العائلات الجزائرية في عنوسة بناتها أو عزوف أبنائها عن الزواج، وأكثر من ذلك ربما في تمرد هؤلاء والهروب بعيدا عن البيت العائلي، بحثا عن السعادة المرغوب فيها، لا المفروضة من قبل أولياء يقفون عائقا أمام أبنائهم في اختيار شريك الحياة بكل حرية، فالتفكير الضيق المنطوي تحت لواء القبلية والعشائرية وعادات لا تسمن ولا تغني من جوع، كان ثمنه انقسام أسر بكاملها وشباب يعيشون التعاسة في حياتهم، لأن أولياء امورهم فرضوا عليهم الزواج بمن اختاروا لهم ولم يسمحوا لهم بالارتباط بمن يحبون. قد يستغرب البعض ويتساءل هل مازال هذا التفكير سائدا في المجتمع الجزائري ونحن في 2009؟ وقد لا يعرفون أن هناك عائلات رفضت قطعا اختيار الابن أو البنت، فدفعت بالبعض منهم الى الانحراف أو الخيانة الزوجية، وإلى الانشقاق وعدم التفاهم بسبب الزوج أو الزوجة، هذا ما جعلنا نتطرق الى الموضوع الذي يعد من "الطابوهات" في المجتمع الجزائري، بسرد شهادات حية لرجال ونساء يعانون الكثير ، فهم بين مطرقة عدم إغضاب الأولياء وسندان الرغبة في الزواج مع من اختاروه، يقول (عزيز. ب) 35 سنة : »تعرفت على فتاة منذ مدة، وقد وجدت فيها معايير الزوجة التي كنت أبحث عنها، فهي متفهمة وتجمع العديد من الخصال التي يتمناها أي رجل في امرأة، لكن ورغم الحب الذي جمعنا فإن المشكل الذي يعيقني عن الارتباط بها هو أنها ليست »قبائلية« مثلي، وهذا ما ترفضه عائلتي، الشيء الذي يجعلني في حيرة من أمري، لأني أريد إرضاء عائلتي لكن لا أريد الاستغناء عنها. ويفسر عزيز تصرف عائلته بالقول أن العادات والتقاليد مع عائلة حبيبته ليست نفسها، وهو ما يجعلها ترفض فكرة الزواج. وتروي السيدة (ل. ن) 32 سنة قصتها، فتقول : » لقد رفضت عائلتي أن أتزوج من زوجي، كونه لا ينحدر من نفس منطقتنا بجيجل، لكنني قمت بالمستحيل لإقناع والديّ، ونجحت في ذلك، عائلتي عادت الى البيت بمجرد إيصالي الى بيت زوجي لكن هذا لا يهمني كوني الآن سعيدة بزواجي وهذا ما كنت أصبو إليه«... ويعيش الكثير من الشباب هذه الدوامة وهناك من يستسلم للأمر الواقع ويلبي رغبة الأولياء، ومنهم من يكافح ويتحدى الجميع، حتى يصل الى مبتغاه ويتزوج بمن اختارها، ومن هؤلاء السيد (سعيد. ل) 45 سنة الذي واجه عدة صعوبات عندما كان مقبلا على الزواج منذ 13 سنة، يقول : »والدي كان رافضا لهذا الزواج تماما، كون زوجتي ليست من نفس منطقتنا، الى حد أنه لم يحضر حتى عرسي، لكنه ومع مرور الوقت تقبل الأمر وأنا أعيش مع زوجتي وأبنائي اليوم حياة هادئة«. العديد من العائلات الجزائرية التي لازالت مشتتة بهذه التقاليد، تحاول عبر ذلك الحفاظ على العرق ولا تريد الاختلاط، فهذه قصة (محمد. س) 42 سنة الذي كان على علاقة بإحدى الفتيات هنا بالعاصمة، إلا أنه لم يتمكن من الزواج بها لأنها ليست »بربرية« بسبب رفض الوالدين ولم يجد ما يفعله سوى الهجرة الى كندا، حيث تزوج بكندية مسيحية ليجد نفسه مع أخرى لا تدين بدينه وهو ما تأسف له والداه كثيرا. وبوعي أو بدون وعي لا تحترم مثل هذه العائلات حتى التوصيات الدينية، سواء المذكورة في القرآن الكريم أو في السنة النبوية الشريفة، والتي تشجع على الزواج بذوي الدين رجالا أو نساء. وتؤكد الأستاذة زبيدي من كلية علم الاجتماع: » لما جاء المسلمون الى الجزائر، لم تكن هناك مشاكل طائفية، فالبربر تقبلوا العرب بكل ما لديهم، لكن الاستعمار الفرنسي قلب هذا المفهوم وبالتالي استحدث هذه الطائفية والعشائرية للتفرقة ما بين الجزائريين التي من المفترض أن الزمن تجاوزها، كون أن هناك امورا أخرى أكثر أهمية«. وترى الأستاذة أن كل الأجناس الأخرى ترفعت عن هذا التفكير. وتضيف » زال في كل الوطن العربي وهذا لأسباب كثيرة، فالعولمة لديها دور كبير فقد تعددت الأفكار، والإنسان أصبح يستورد كل حياته، حتى العريس أو العروسة«. ويبقى الحب بين الرجل والمرأة هو الجامع بينهما وهو الذي يتحدى كل الصعاب، الأمر الذي يعد من المحرمات عند بعض العائلات الجزائرية، وهو من »الطابوهات«، إذ أن العديد من هذه العائلات لا يحق لابنها أو ابنتها أن يصرحا لأوليائهما بأنهما على ارتباط بشخص ما، كما أن الإعجاب أيضا يعد من الممنوعات في بعض العائلات، ولا يحق للأبناء الخوض فيه علنا. ورغم أن الزواج في الجزائر يكون في الثلاثينات في الوقت الحالي، إلا أن الكبت وعدم الصراحة يتسبب عادة في حدوث أمور أخرى، قد تدفع بالشاب والشابة الى التفكير في ارتكاب الأمور المحرمة، وبعد ذلك يكون الندم عند الجميع. وتستطرد الأستاذة زبيدي » أهم شيء في الحياة الزوجية هو الحب الذي يجمع الزوجين، فعندما تجد من تفضل الارتباط بك وتحبك فهذا هو المهم، وهذا ما يجب أن تفهمه العائلات، لأن التفاهم هو الأساس«. وفي نظر الأستاذ بوتكة كمال، مختص في علم الاجتماع: » هذه الأفكار موجودة في إطار ضيق وفي مناطق جغرافية ليست في المدن، لكن هذا لا ينفي وجود عائلات لازالت تفكر بهذا الأسلوب حتى في مدن كبرى، فالمشكل بالنسبة لي يبقى في التواصل، فمثلا زوجة ليست قبائلية في بيت قبائلي أمر يصعب عليها عملية التواصل مع حماتها«. وخشية من كلام العائلة كما يقال، أو خوفا من زوال الأسرة العريقة، فإن هذه العائلات ترفض تماما الزواج المختلط مهما كان الأمر، تقول الأستاذة زبيدي: » الوالدان يخافان من المحيط الأسري ومن العائلة الكبيرة، فهما يفكران دائما فيما سيقوله الأعمام والأخوال والإخوة، إضافة إلى أن هناك عائلات لديها دور في الحياة السياسية والاقتصادية في المجتمع، وهي عائلات مشهورة تنظر الى الغير نظرة دونية، لهذا فهي ترفض مصاهرة من لا تختارهم هي«. كما يضيف الأستاذ بوتكة : » أن هذا التفكير يكرس الانقسام في المجتمع : » أظن أن هناك انفتاح على الآخر ولا يجب أن نبقى منطوين على أنفسنا وكما يقول الله تعالى: "خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، لهذا أظن أنه لابد أن تزول هذه الأفكار الضيقة«. ويحاول بعض الشباب إقناع أوليائهم بكل ما لديهم من أساليب، رغم أن نسبة النجاح تبقى ضئيلة بالنسبة لهم، غير أنهم يصرون ما دام أنهم يرون أن الشخص المختار هو من سيكون شريك الحياة الأنسب، فهناك الكثير ممن توصلوا الى مبتغاهم لكن بعد عناء كبير، ومنهم من فشل في المشوار لأنه لم يكن هناك أي بصيص أمل واستلموا للأمر الواقع، وهناك من تصرفوا تصرفات أخرى أدت بهم الى الضياع نظرا لضعفهم، ومنهم من ترك الوطن وبحث عن شريكة خارج هذا الوطن أو قرر صراحة العزوف عن الزواج جملة وتفصيلا.. وفي هذا تقول الأستاذة زبيدي: » أظن أن السماح بالزواج بمن ليس من نفس منطقتنا أحسن من الزواج من فرنسي أو من جنسية أخرى، بالنسبة لي، أنا متأكدة أن هذه الأفكار بدأت تتلاشى ومع الأيام ستزول مع تعاقب الأجيال«.