لم ينتظر الوزير الأول الإسرائيلي بنيامين نتانياهو طويلا بعد تحديد تاريخ الثاني من الشهر القادم لاستئناف مفاوضات السلام المباشرة ليضع شروطا تعجيزية أمام السلطة الفلسطينية وراح يدلي بتصريحات لم تخرج عن دائرة وضع العقبات بهدف إفشالها. والمفارقة أن الوزير الأول الإسرائيلي تعمد وضع هذه العراقيل بعد أن رفضها الجانب الفلسطيني وأكد في وجه اللجنة الرباعية انه لن يقبل بأي شروط لدخول هذه المفاوضات في إشارة إلى مطلب السلطة الفلسطينية بوقف الاستيطان كشرط مبدئي لقبول العودة إلى طاولة التفاوض. وكان لإسرائيل ما أرادت وجاء بيان الرباعية فضفاضا وغير ملزم لإسرائيل بهذا الشرط واكتفى بالإشارة فقط إلى حدود سنة 1967 وتناسى الأمر الواقع الذي فرضته الحكومات الإسرائيلية طيلة عقود على الأرض الفلسطينية من خلال سياسة استيطان غير مسبوقة انتقلت عدواها في السنين الأخيرة إلى مدينة القدسالمحتلة. ورضخ الفلسطينيون للأمر الواقع الذي فرضه عليهم الإسرائيليون بدعم أمريكي وعدم اكتراث من أطراف اللجنة الرباعية الآخرين وفي وقت زكت فيه دول عربية ستشارك شرفيا في هذه المفاوضات ''الطبخة'' رغم خطورة المرحلة التي دخلتها القضية الفلسطينية وعلى اعتبار أن المفاوضات تدور حول استعادة الأرض المفقودة التي ابتلعها الاستيطان. وتعمد الوزير الأول الإسرائيلي التنصل ضمن تكتيك تفاوضي قبل الثاني سبتمبر القادم من أية مسؤولية لفشل هذه المفاوضات عندما أكد أنه سيفاجئ المتشائمين بما يمكن أن نحققه في حال وجدنا شريكا تفاوضيا جادا وصادقا في إرادته في إشارة إلى الطرف الفلسطيني الذي حمله مسؤولية كل فشل للمفاوضات القادمة. ولم يفوت بنيامين نتانياهو في تصريحات أدلى بها أمس لإعادة التأكيد على القناعة الإسرائيلية المترسخة بأن الدولة الفلسطينية يجب أن تكون مجرد هيكل إداري فاقد لأية سيادة ومنزوعة السلاح وحتمية إقرار السلطة الفلسطينية بيهودية إسرائيل. والمتأمل لهذين الشرطين يدرك أن إسرائيل لا تريد تحقيق أي تقدم في هذه المفاوضات لإدراكها المسبق أن لا أحد من الفلسطينيين يقبل بدولة فاقدة لكل سيادة ولا الاعتراف لدولة الاحتلال بصفتها الدينية لأن ذلك يعني بطريقة تلقائية بداية أكبر عملية تهجير قسري للفلسطينيين الذين صمدوا في فلسطين التاريخية أو ما يعرف بماوراء الخط الأخضر الذين سيرفضون دون شك حمل جنسية الدولة اليهودية بالإضافة إلى حرمان ملايين اللاجئين من العودة إلى ديارهم المسلوبة منهم عنوة قبل ستة عقود. وتعمد نتانياهو وضع هذه الشروط التعجيزية بهدف إفشال المفاوضات رغم إدراكه أن مضمون الدعوة التي وجهتها الإدارة الأمريكية لطرفي النزاع لم تتضمن شروطا مسبقة في محاولة للتغطية على عدم تلبية مطلب الجانب الفلسطيني بالتزام إسرائيلي بوقف الاستيطان. ولذلك فإن الاقتراح الذي راح نتانياهو يروج له لن يكون في واقع الحال إلا مجرد تصريحات لن تغير في مواقف الكثير من المتتبعين المتشائمين الذين أبدوا شكوكا في إمكانية تحقيق نتيجة ملموسة على طريق التسوية النهائية التي تحدث عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي أمس. وكانت السلطة الفلسطينية اول من أبدى تشاؤمه بإمكانية تحقيق تقدم في مسار المفاوضات ودفع بها إلى التهديد بالانسحاب من المفاوضات في حال عدم وقف الاستيطان الإسرائيلي. وكان ذلك مضمون الرسالة التي بعث بها الرئيس الفلسطيني أمس إلى أعضاء اللجنة الرباعية وقال إن المفاوضات ستتوقف إن لم يتوقف الاستيطان وإن إسرائيل مطالبة بالاختيار بين السلام والاستيطان. وهو تشاؤم نابع من كون أنه لا شيء تغير هذه المرة مقارنة بالمرات السابقة وطيلة 17 سنة من مفاوضات يائسة كان الفلسطينيون أكبر الخاسرين فيها بعد أن جعلتهم الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة مجرد مظلة لإتمام مخططاتها التوسعية تحت شرعية اتفاقية السلام مع الفلسطينيين في أوسلو. ودلت كل محطات التفاوض من أوسلو سنة 1993 إلى واشنطن وكامب دافيد سنة 2000 وطابا المصرية سنة 2001 وانابوليس الأمريكية سنة 2007 أن مفاوضات السلام ما هي إلا مجرد وهم وحلم زائف للفلسطينيين الذين قدموا كل التنازلات بما فيها المدرجة في خانة ''الخطوط الحمراء'' ولم يجنو أي شيئ على الميدان بينما كان لإسرائيل ما أرادت وهي تريد الآن تحقيق مكاسب أخرى لاستكمال خطة الهيمنة الإسرائيلية على ارض فلسطين. فالاستيطان تواصل بوتيرة أسرع وحكومات الاحتلال لم تغير موقفها من ماهية الدولة الفلسطينية التي ترى فيها مجرد إقليم خاضع لها اقتصاديا وبدون سيادة على مجالها الجوي ولا حدودها البرية والبحرية كما أنها ترفض رفضا قاطعا الانسحاب من أراضي 1967 بما فيها القدس الشريف ولا بعودة اللاجئين. وهي كلها شروط تريد فرضها على المفاوض الفلسطيني وليبقى السؤال ما جدوى قبول خوض مفاوضات نتائجها ستكون كارثية؟.