في رد مفحم على دعوة الرئيس الأمريكي باراك أوباما بإقامة حل الدولتين رفض الوزير الأول الإسرائيلي بنيامين نتانياهو المقترح وأصر على موقفه القديم المتجدد بقبوله فقط إقامة كيان فلسطيني فاقد للأهلية الدولية.فبعد أسبوعين كاملين منذ خطاب الرئيس الأمريكي بالعاصمة المصرية استغلهما الوزير الأول الإسرائيلي في قراءة كل ردود الأفعال ووضع السيناريوهات المحتملة ألقى نتانياهو خطابا أجوفا لم يقل فيه شيئا جديدا على طريق مسار السلام في المنطقة ماعدا قائمة "لاءات" التحدي للعرب وكل المجموعة الدولية. والواقع انه لا احد كان ينتظر من نتانياهو الليكودي المتطرف والمحاط باليمين العلماني والديني المتطرفين أن يقول شيئا آخر من غير ما قاله أمس ومن توقع غير ذلك يخطئ التحليل وتحقق عكس ذلك أيضا يعد ضربا من الخيال. وهو التحليل الذي يدفع إلى التأكيد أن نتانياهو ما كان ليدلي بهذا الخطاب الذي انتظره العالم لولا الضغوط الدولية التي مورست عليه بهدف إرغامه على قبول فكرة حل الدولتين. ولذلك فإن تفوه نتانياهو بعبارة الدولة الفلسطينية لأول مرة لم يحدث الطفرة على طريق التسوية لأنه قتلها حتى قبل أن تتجاوز حدود شفتيه بعد أن ربطها ب"لاءات" وخطوط حمراء أفقدتها كل معنى لدولة تريد العيش في سلام جنبا إلى جنب إسرائيل. فقد رسم إطار هذه الدولة في قوقعة جوفاء منع عليها حق تشكيل جيش تدافع به عن نفسها وبالتالي إبقاءها تحت رحمة دولته النووية ورفض لقرابة 5 ملايين لاجئ فلسطيني من العودة إلى وطنهم الأم الذي سلب منهم بقوة النار. والأكثر فقد شدد التأكيد أن مدينة القدس الشريف لن تكون عاصمة لأية دولة أخرى من غير إسرائيل ورفضه وقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية وكل ذلك لم يمنعه من وضع شرط تعجيزي آخر بضرورة أن تعترف هذه "الدولة الفلسطينية" بيهودية إسرائيل كشرط مسبق آخر. والمفارقة أن الرئيس الأمريكي باراك اوباما ودول الاتحاد الأوروبي سارعت إلى الترحيب بمضمون الخطاب واعتبرته بمثابة خطوة إلى الأمام على طريق تحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط ليس لأنه تضمن جديدا يمكن اعتماده لمفاوضات قادمة ولكن لأن نتانياهو نطق لأول مرة بعبارة الدولة الفلسطينية. ولم تتحفظ هذه الدول على مضمون الخطاب و"اللاءات" التي وضعها لرهن إقامة هذه الدولة. وتؤكد مثل هذه المواقف الأمريكية والأوروبية أن أصحابها لم يتمكنوا من التخلص من عقدة الذنب باتجاه إسرائيل وتجعلهم يقبلون مرغمين ما تقرره حكوماتها ما يفسر عجزها على تجسيد وعودها اللهم إلا إذا كان تصور الرئيس الأمريكي للدولة الفلسطينية هو نفسه الذي حدد معالمه الوزير الأول الإسرائيلي. وكان العرب جميعهم ينتظرون أن يصدر الرئيس اوباما موقفا مغايرا لعبارات الترحيب وبلهجة أكثر حدة على الأقل بالنسبة لمسألة مواصلة الاستيطان التي سبق للرئيس الأمريكي أن وصفها بالعقبة الرئيسية أمام تجسيد مبدأ حل الدولتين. ودفعت درجة التجاهل التي تعمد الوزير الأول الإسرائيلي انتهاجها في خطابه بمتتبعين إلى التأكيد أن نتانياهو لم يوجه خطابه إلى العرب والفلسطينيين وحتى الأمريكيين ولكنه وجهه لعامة الإسرائيليين لطمأنتهم وخاصة المستوطنين الذين يرفضون إخلاء مستوطناتهم والعودة إلى حدود ما وراء حرب جوان 1967. ورغم ذلك فقد سارعت الإدارة الأمريكية إلى التأكيد مباشرة بعد انتهاء نتانياهو من إلقاء خطابه من التأكيد أنها ستواصل التعامل مع كل أطراف معادلة النزاع في منطقة الشرق الأوسط إلى غاية التوصل إلى تحقيق حل الدولتين. وهو الموقف المتذبذب وغير الواضح الذي تريد إسرائيل المناورة في حدوده لأنه يمكنها من ابتلاع المزيد من الأراضي الفلسطينية وإقامة مستوطنات أخرى ومواصلة تهويد القدس الشريف. وهو ما يدفع إلى القول أن الخطاب إنما كان الهدف منه جس نبض مدى إصرار الرئيس اوباما في تجسيد مقاربته لإنهاء نزاع الشرق الأوسط وما إذا كان فعلا سيذهب إلى أقصى الوسائل لتحقيق ذلك وقد تأكد أن واشنطن لا تمتلك وسائل تطبيق سياستها في منطقة عربية أصبحت على برميل بارود متفجر وهو ما سيشجعها على مزيد من التعنت ورفض لأي حق من الحقوق الفلسطينية.