الاذاعة كانت سيدة في التثقيف وضخ المادة الاعلامية بتنوعها، المذياع لم يكن فقط للترفيه بالأغاني، بل معلما ومثقفا نظرا لما كان يقدمه للملتقي إلا أن هذا الدور تقهقر وتراجع من جميع جوانبه وطغى التهريج والمباشرة. ولم يعد للمتلقي ذلك المكان فيسهر من أجله مثقفوها وفنانوها وممثلوها على تقديم الجيد من هذه المادة، أصبح المتلقي لا يتميز عن المذيع أو المنتج، بل أصبح المتلقي هو نفسه الملجأ الذي تلجأ إليه الإذاعة في انتاج مادته فهو المرسل والمرسل إليه (المتلقي) في آن واحد من خلال الهاتف، فالإذاعة أصبحت ''هاتفا'' فغابت بذلك البرامج الجيدة ومن جملة هذه البرامج التمثيليات الإذاعية من روايات وسكاتشات ومسلسلات فهل التمثيل الاذاعي يبعث من جديد هذا ما ناقشه صلاح الدين الأخضري، علي عراب والممثلة القديرة نوال زعتر بمكتبة ''ديدوش مراد'' أول أمس بتنشيط من السيدة فوزية لرادي. الانتاج الثقافي الاذاعي المسرحي قلّ أم اندثر هل لانعدام النصوص أم هناك أشياء أخرى؟ حاول المخرج الاذاعي علي عراب أن يلامس الأسباب المنطقية لهذا الفراغ الرهيب ولهذه الركيزة التي كانت من ركائز الاذاعة الجزائرية التي تؤدي رسالتها باتقان وكان لها جمهورها الذي ضيعته بعد حين من النجاحات والانتصارات الاذاعية. يقول الأستاذ على عراب: ''من أي بوابة ندخل المسرح الإذاعي؟ هل المدخل يكون عزاء إلا أن الآمال تبقى قائمة'' ويضيف علي عراب قائلا: ''ابان الثورة اجتزت خط شارل مع أحد الرفقاء كان وقتها يكبرني سنا، وكانت هناك نقطة مراقبة مزودة بمدفع رشاش ''ماترايوز'' بالإضافة الى الأنوار الكاشفة التي ترصد دبيب النمل وكان رفيقي هو ''حسناوي السعيد'' وحينما أظهرتنا الأنوار الكاشف قفزت عليه واحتضنته حتى لا يكتشف وكنت أنتظر أن يحصدنا المدفع الرشاش إلا أن الأمل كان موجودا، والأمل هنا يتعلق بالحياة، وكذا الأمل مرتبطا بالفن الجميل بالنسبة للإذاعة المظهر طغى على الجوهر، والفن الجميل يبقى له أمل الانتعاش لأن فيه أداءا واجتهادا''. وراح الأستاذ علي عراب يوضح رسالة المسرح الاذاعي قائلا: ''المسرح الإذاعي يراهن على استحواذ أحاسيس المتلقي لأن سلاحه الجودة والمؤثرات الصوتية والموسيقى، والممثل الاذاعي إذا غاص في أعماق الكلمات والمواصفات الصوتية يعطي الكلمة حقها، هنا فقط يتجه المتلقي للمسرح الإذاعي ويتعامل مع الخيال وهذا يأتي عن طريق الاجتهاد، الكلمات المؤثرة، الحركات الصوتية المؤثرة، اننا ضيعنا شيئا جميلا جدا يلزمنا بعثه إذا توفرت العناصر الجيدة، النصوص هناك نصوص جيدة، الجمهور غادرنا ونحن السبب والسياسة ضيعت المسرح''. أما الأستاذ صلاح الدين الأخضري فقد أكد في حديثه أن المشكلة هي احتقارنا للأشياء الجميلة، وأضاف، المسرح الاذاعي له جمهوره، كيف نعيد المسرح الاذاعي؟ العمل الثقافي عمل نضالي وله رسالته والاذاعة من حيث هي مؤسسة ثقافية فهي تختلف عن الوسائل الأخرى، وقال ''الإذاعة هي انتاج ثقافي هي المؤسسة الحاضنة للثقافة والى جانبها المسرح عندنا أمل في العودة، فالفرديات موجودة ولكن الجهود الجماعية مفقودة، هناك 38 دراما، قد كونا فريقا من 20 عضوا لبعث المسرح الاذاعي من جديد لكن هناك عراقيل ونحن نحاول بعث شيء نعتقد أنه ما يزال حيا لم يمت وهو في مرحلة الانعاش بسبب عصر الصور والسرعة والانحطاط الثقافي، فالأرشيف الاذاعي غني وفيه 2860 مسرحية منها ما لم يبث، ومنها من بث مرة واحدة''. وأكدت الفنانة القديرة نوال زعتر أن هناك عراقيل، بل هناك أشياء أخرى تحاول بل تعمل على اجهاض الفنانين والمبدعين والحط من شأنهم بل وأصبح كل من أراد التمثيل يمثل مادام هناك من يسنده وبكلمة مختصرة قالت: ''دخلوها البزنسية وفرضوا أنفسهم وأصبح الكل يمثل''. للممثلين همومهم وكذا للكتاب والمنتجين والمخرجين، لكن هل يفسح لهم المجال لكي يعملوا ليعيدوا للاذاعة وهجها وتألقها وجمهورها الذي كان من النخبة والعامة، كان يثقف ويعلم ويؤدي دوره كاملا، فهل تختفي ظاهرة الهاتف والاطراء وكأننا في معرض أزياء على المباشر؟ يبقى السؤال مطروحا .