تجذب السروج المصنوعة يدويا بأشكالها وألوانها الجذابة كل محبي تربية الخيول وممارسة الفروسية، إذ تختزل هذه السروج التي تزيد صهوة الجياد تألقا وتضفي على الفارس مسحة وقار وهيبة ذاكرة تاريخية لأهميتها عبر العصور باعتبار أن الجياد قديما كانت الوسيلة الوحيدة للتنقل.وحول صناعة السروج التقت ''المساء'' بالحرفي ''أحمد هبري'' الذي جاء من ولاية تيارت والذي يعد من بين ستة حرفيين فقط على المستوى الوطني الذين مازالوا يصنعون السروج، وحول حرفة صناعة السروج أجرينا هذا الحوار. - منذ متى و أنت تمارس هذه الحرفة؟ * أنا حرفي من سكان سوقر ولاية تيارت، أصنع السروج منذ كان عمري 20 سنة.. هي حرفة تعلمتها عن أخي الأكبر، ولا أخفي عليكم أن عشقي لصناعة السروج لم يأت عبثا، بل جاء نتيجة تأثري الشديد بأبطال الثورات الشعبية بالجزائر، مثل الأمير عبد القادر والشيخ بوعمامة والشيخ المقراني الذين كانوا يجاهدون على متن الخيول المسرجة، وبالتالي فصناعة السروج بالنسبة لي تمثل تاريخ الجزائر، كما أن ولاية تيارت معروفة بتربية الخيول، كل هذه عوامل شجعتني على التمسك بهذا الإرث التاريخي. - تتحدث كثيرا عن المرجع التاريخي للسروج، فهل لك أن تخبرنا كيف دخلت السروج إلى الجزائر؟ * حسب معلوماتي التي استقيتها من بعض الكتب التاريخية واحتكاكي ببعض الشيوخ فإن السروج دخلت إلى الجزائر عن طريق الفتوحات الإسلامية، حيث ازدهرت كثيرا في منطقة ''تاقدمت'' بولاية تيارت، وهي المنطقة التي اختارها الأمير عبد القادر كمكان استراتيجي لتحركاته، وقد كان أجدادنا يقلدون السروج التي دخلت إلينا وشيئا فشيئا أصبحت صناعة السروج حرفة يتم توارثها أبا عن جد. - كيف يتم إعداد السرج، وما هي لواحقه؟ * حتى نعد السرج لا بد أن يكون لدينا ''العظم'' وهو الهيكل الذي يلبس عليه السرج، حيث يصنع العظم من شجر الصفصاف أو العرعار، ويصنع السرج عادة من جلد الماعز أو الغنم، ويزين برسوم مشكلة من خيوط الفتلة الذهبية والفضية، وتكون لهذا السرج مقدمة تسمى ''القربوص'' ومؤخرة تسمى ''القدح'' وهي التي يتكئ عليها الفارس، إلى جانب لواحق السرج وهي اللجام و''الدير'' وهو حزام يأتي أسفل الحصان و''الصرع'' الذي يشد به الحصان و''الجبيرة'' وهي الحقيبة التي توضع بها ذخيرة الفارس، وعموما من يتخصص في صناعة السروج يصنع كل ما يتطلبه السرج من لواحق، وبحكم خبرتي فإن أغلب الفرسان يحبون السروج الحمراء التي ترمز للقتال. - تحدثت عن السرج الذي يرمز للقتال فهل هذا يعني أن السروج أنواع، وما وجه الاختلاف بينها؟ * حقيقة هناك ثلاثة أنواع من السروج على حد علمي، وهي السرج البليدي والسرج التلمساني والسرج التيغريني، يتميز السرج البليدي بطول مقعده بينما يتميز السرج التلمساني ويسمى ايضا بالسرج الغربي بضيق مؤخرة القدح فيما يعرف السرج التيغريني بكونه مفتوحا في المكان الذي يوضع به السرج على ظهر الحصان، وهذه الفروق لا يمكن لمن ليس له صلة بالخيول أن يعرفها، ونحن أيضا كحرفيين نعرف الخيال من غيره بما لديه من معلومات حول السروج، وأعلمكم أيضا بأن ألوان السروج تلعب دورا كذلك في تحديد الغرض منها، فمثلا السروج ذات اللون الأحمر تعد خصيصا للقتال. - ما الذي تتطلبه صناعة السروج لمن يرغب في احترافها؟ * صناعة السروج صناعة صعبة تتطلب الكثير من الصبر، بل هي حرفة تتطلب صبر أيوب حتى ينجح فيها الشخص ويحترفها، أقول هذا لأن لدي خبرة 20 سنة في صناعة السروج، لذا أؤكد لكم أن من لا يصبر عليها ولا يحبها كحرفة وليس كنشاط تجاري من المستحيل أن ينجح فيها، خاصة إذا علمنا أن مدة إنجاز السرج الواحد قد تزيد عن الستة أشهر، وقد تتطلب شهورا أخرى حتى تباع إن وجدت من يشتريها بحكم ارتفاع ثمنها. - هل تعاني كبعض الحرفيين من نقص المادة الأولية؟ * لا أعاني من أية مشكلة في المادة الأولية فهي متوفرة والحمد لله، إلا أنها غالية الثمن نوعا ما خاصة الجلد وخيوط الفتلة والفريضة. - كيف تقيّم هذه الحرفة اليوم؟ وهل هناك إقبال على تعلمها من طرف الشباب؟ * للأسف الشديد هذه الحرفة تسير بوتيرة سريعة نحو الانقراض إن لم نقل بأنها تكاد تنقرض، لأنها لم تعد تجد من يرغب في تعلمها، كما أن شباب اليوم يرفضون تعلمها بحجة أنها مهنة زال وقتها ولا تدر أموالا كثيرة، وما زاد الأمر سوءا هو غياب الدعم من الجهات المعنية وقد يأتي وقت لا نجد فيه مطلقا من يصنع هذه السروج.