صوت خافت ووجه تظهر عليه علامات الشحوب التي تخلفها الأنيميا.. كان هذا حال ''سارة مقران'' (27 سنة) التي بدأت معاناتها مع مرض الفشل الكلوي المزمن منذ سن ال 15 سنة.. ''سارة'' التي تحدت المرض لتصل إلى مستوى الثالثة نهائي، لم تحقق أملها في الحصول على شهادة البكالوريا بسبب التعب الذي يسكن جسدها.. لكن ''سارة'' ليست الوحيدة، بل كثيرون أمثالها يتحدون المرض أملا في الحصول على كلية أو بنكرياس أو غيرها من الأعضاء لتدب الحياة في أجسادهم من جديد. شقيقاها ''سيد أحمد'' (24 سنة) و''وليد''(18 سنة) يعانيان من مرض الفشل الكلوي أيضا.. فالأشقاء الثلاثة يتقاسمون نفس المعاناة ونفس الإحساس.. ومن المعاناة تولدت صفة التضامن التي جعلتهم يعتنون ببعضهم البعض، لاسيما وأنهم يحظون برعاية أم تكافح منذ سنوات من أجل راحة فلذات كبدها.. تبرعت لابنها بكلية.. وتدعو الغير ليحذوا حذوها تبرعت أم ''سارة'' لابنها ''سيد أحمد'' بكلية سنة 2004 لتمنح الحياة لجسد ابنها من جديد.. وهو أمر لم يستغرق ولو لحظة من التفكير بالنسبة إلى هذه الأم. تقول أم ''سارة'' ل''المساء'': ''إنه نداء عاطفة الأمومة الجياشة الذي لا يمكن أن يثني الأم عن التضحية بالأغلى من أجل الأبناء''، هي اليوم تنعم بصحة جيدة بعد أن استأصلت جزءا من جسمها لا يقدر بثمن ووهبته من أجل وقف معاناة فلذة كبدها.. لكن رغم هذه التضحية الكبيرة تبقى معاناة هذه السيدة مستمرة طالما أن حياة ''سارة'' و''وليد'' مازالت تحت رحمة آلة تصفية الدم، فيما يشكو ''سيد أحمد'' من سوء المتابعة الطبية في المستشفى بعد عملية الزرع التي استفاد منها. تصرح السيدة مقران: ''جزء من حياتي اليومية أقضيه في المستشفى، كوني مضطرة لاصطحابهما ثلاث مرات أسبوعيا إلى المستشفى لتصفية الدم''. ورغم تعب هذه الأم التي ابتلاها الله بثلاثة أبناء مصابين بالفشل الكلوي المزمن، إلا أنها لم تستسلم لمصاعب الحياة، فكما وهبت إحدى كليتيها لأحدهم مازالت تناضل من أجل العناية بصحتهم وضمان تمدرسهم بشكل جيد.. فسارة استطاعت رغم المعاناة أن تصل إلى مستوى الثالثة نهائي واجتازت بموجب ذلك امتحان شهادة البكالوريا ثلاث مرات، لكن فقر الدم الذي يعد من آثار مرض الكلى والذي سلب منها التركيز حال دون تمكنها من إحراز النجاح، وفي المقابل إرادة أقوى للحصول على شهادة البكالوريا لدى شقيقها ''وليد''.. فهذا الأخير الذي أصبحت حياته مرهونة بآلة تصفية الدم اكتشف مرضه منذ سن الثامنة، حيث تبين وجود كيس مائي في كليته. تسلب آلة تصفية الدم من حياة ''وليد'' 12 ساعة أسبوعيا، وهي بذلك تمنعه من متابعة دروسه في الثانوية بانتظام، لكن وجد الحل من خلال الاعتماد على الدروس الخصوصية رافعا التحدي للحصول على شهادة البكالوريا.. وكما يأمل ''وليد'' الحصول على تأشيرة الدخول إلى الجامعة يتمنى كذلك أن تلقى مبادرة الجمعية الجزائرية لأمراض وزرع الكلى، الهادفة إلى جمع مليون تعهد بالتبرع بالأعضاء البشرية بعد الموت، آذانا صاغية عساه يعثر يوما على من يمنحه الحياة ولشقيقته ''سارة'' بعد الموت. وتضيف والدته السيدة مقران: ''أوجه رسالتي إلى كافة الجزائريين ليستجيبوا لمبادرة امتلاك بطاقة التبرع بالأعضاء بعد الموت لإعطاء أمل الحياة للعديد من المرضى''. نفس الأمل تعيش عليه ''سارة'' التي تلازم البيت منذ سنوات بسبب مرضها المزمن، حيث ترجو أن يلقى النداء آذانا صاغية تحس بمعاناتها التي طوقت حياتها بأسوار المنزل. من يتبرع ببنكرياس لرضوان؟ ''رضوان خميسي'' هو أيضا اسم لقصة معاناة أخرى مع المرض.. هو شاب يعاني من مرض السكري، ووضعه الصحي يتطلب زراعة بنكرياس جديد في جسده المنهك.. لكن من أين له ببنكرياس؟ تلك هي مشكلة هذا الشاب الذي مازالت كل الأبواب التي طرقها لتلبية حاجته موصدة. يروي الشاب ''رضوان'' ل ''المساء'': فيقول ''إن والداي متقدمان في السن ولا يمكنهما أن يتبرعا لي ببنكرياس، أما أشقائي فلم يوافقوا على فكرة التبرع''، ويسترسل: ''منذ عامين وأنا أسعى جاهدا للتوجه إلى الخارج، حيث اتصلت ببعض المستشفيات الفرنسية وحصلت على الموافقة لاستقبالي وإخضاعي للعلاج، لكني لم أحصل على التأشيرة كون صندوق الضمان الاجتماعي غير مستعد للتكفل بي بسبب تقصير الطبيب المعالج الذي لم يرسل إليهم ملفي المرضي لأسباب مجهولة''.. ويبقى السؤال المطروح: من يستمع إلى أنين هؤلاء المرضى؟ حقائق أخرى عن معاناة فئة الأطفال ممن يحتاجون إلى تكفل وزراعة كلى يحدثنا عنها الناطق الرسمي باسم الفيدرالية الوطنية لعاجزي الكلى محمد بوخرص: ''هبة (10 سنوات) ولويزة (8 سنوات) برعمتان صغيرتان فارقتا الحياة منذ فترة بسبب مرض الكلى، حيث كانتا ضمن مجموعة الأطفال المرضى الذين تم عرضهم على البرلمان للاطلاع على وضعيتهم الصحية يوم 13 جوان المنصرم بغية مساعدتهم، لكن لا حياة لمن تنادي، ففيما خطف الموت أرواح بعضهم ما تزال البقية في صراع مع المرض''. وبحسب مسؤول الفيدرالية الوطنية لعاجزي الكلى، فإن غياب التنسيق في القطاع الصحي سبب تضاعف معاناة العديد من المرضى، ففي حين بدأ الوعي يشق طريقه نحو أفراد المجتمع الجزائري حول أهمية التبرع بالأعضاء البشرية بعد الموت لإنقاذ حياة الغير، يصطدم هذا الوعي بمشكل غياب ثقافة الاستقبال في المستشفيات وبعض المشاكل التقنية''. معاناة الصغار أكثر من معاناة الكبار وعلى هذا الأساس أطفال كثيرون يعيشون تحت ضغط الألم المتواصل، ويقضون أيامهم في مشاوير الذهاب والإياب نحو المستشفيات، ونتيجة ذلك هي أنهم مهددون بالأمية بسبب عدم تمكنهم من متابعة دروسهم في المدارس، ومما يزيد من معاناتهم - تبعا لتصريحات المصدر- ظاهرة تصفية دمائهم بالاعتماد على الأنابيب والكلى الاصطناعية الخاصة بالكبار، مما يعرضهم لفقدان كميات كبيرة من الدماء قد تعجل بموتهم. تفاصيل أخرى عن انعكاسات المرض ونقص التكفل يعبر عنها السيد محمد بوخرص بالقول: ''إن معاناة الأطفال المصابين بهذا المرض المزمن تلقي بكل ثقلها على الأمهات.. فعلى الأم أن لا تغفل إطلاقا عن صغيرها حتى لا يذهب إلى بيت الجيران، حيث يمكن أن يتناول مشروبات غازية أو موزا أو مكسرات وغيرها من المأكولات التي قد تسبب موته، مما قد يضطرها إلى ربطه... كما أن العناية المضاعفة التي يجب أن تمنحها للطفل المريض قد تتسب في إهمال أطفالها الآخرين ممن يحتمل أن يتولد لديهم الشعور بالغيرة''. واعتبر أن المشاكل التي يعاني منها الأطفال المصابون بالقصور الكلوي أكثر من الكبار، حيث يلزمهم بالإضافة إلى تصفية الدم الحصول على بعض الأدوية مثل هرمون النمو، لأن هؤلاء الأطفال ينتمون إلى فئة الأقزام بسبب المرض الذي يؤثر على نموهم، مؤكدا على ضرورة دعم عمليات زرع الكلى لأنها الحل الأمثل لوضع نهاية لمعاناة مرضى العجز الكلوي. وهذه التصريحات في مجملها تترجم حقيقة أن الأطفال هم الفئة الأكثر تضررا لأن احتياجاتهم من حيث التكفل النفسي والعلاج مختلفة عن البالغين، وعموما يبدو من خلال جملة الحقائق المستقاة من خلال ندوة صحفية نظمتها الجمعية الجزائرية لأمراض وزرع الكلى مؤخرا بمناسبة اليوم العالمي للتبرع بالكلى المصادف ل 17 أكتوبر، أن مثل هذه المناسبات أصبحت محطات لإعادة طرح نفس الانشغالات والمشاكل التي تعاني منها هذه الفئة، والتي تتمحور دائما حول نقص التكفل بمرضى الفشل لكلوي، والبيروقراطية في المستشفيات.. فضلا عن التماطل في إنجاز المعهد الوطني لمرضى الكلى بالبليدة، والذي تسير فيه الأشغال بسرعة ''حلزونية'' بحسب تصريحات الأمين العام للجمعية الجزائرية لأمراض وزراعة الكلى.