تعد الترجمة جسرا متينا لتحقيق أواصر الترابط بين الشعوب أو حتى بين فئات المجتمع الواحد، كما يعتبر الأدب وسيلة فعالّة لتجسيد هذه المهمة النبيلة، وفي هذا السياق تم أول أمس في إطار فعاليات سيلا ,2010 تقديم ندوة بعنوان ''الأدب والترجمة'' نشّطها كلّ من الجزائريين محمد ساري وعمارة لخوص، الدنماركية عواطف جون ايلي ضاحي، الغابونية جستين مينتسا والكاميروني فرانسوا نكيمي. البداية كانت مع الكاتب والمترجم محمد ساري، الذي قال في مداخلته، أن ترجمته للعديد من الروائيين الجزائريين المقيمين بالمهجر والذين يكتبون بالفرنسية، كانت عبارة عن ترجمة ثانية لهذه الأعمال. مضيفا أن هؤلاء الكتاب قاموا بأنفسهم بترجمة واقعهم الذي عاشوه أو احتكوا به في الجزائر. وأكد ساري استعماله اللهجات في بعض الأحيان وبالأخص على مستوى الحوارات، نظرا لقدرتها على إيصال المعنى بطريقة أعمق. مضيفا أن الترجمة لا يمكن أن تكون حرفية، بل يجب أن تناسب المعنى، وقدم مثالا في ترجمة الحكم والتعابير البوليسية، التي قال أنها تترجم حسب المعنى وليس حرفيا. من جهته، تحدث فرانسوا نكيمي عن صعوبة الترجمة في الكاميرون، رغم تعدد اللغات الرئيسية المستعملة في البلد وهي الإنكليزية والفرنسية والعربية كذلك. مضيفا أنّ هذه الصعوبة تعود إلى العزلة التي تعيشها كل فئة ناطقة بلغة معينة عن الفئات الأخرى، وتزيد كثرة اللهجات المستعملة في الكاميرون والتي تتعدى 200 لهجة من صعوبة الترجمة. وقال صاحب دار نشر ''افريكيا'' أن الناطقين باللغة الفرنسية يتطلعون إلى فرنسا، أما الناطقين باللغة الإنكليزية فيهتمون بتأسيس علاقات مع بريطانيا والولايات المتحدةالأمريكية، في حين يهتم الناطقون باللغة العربية بالعالم العربي، ولهذا فالترجمة ضعيفة في هذه المنطقة، كما أن صعوبة تنقل الأشخاص بين الدول الفرانكفونية والتي تقع في إفريقيا الوسطى لا يشجع على ترجمة الأعمال باللغة الفرنسية باعتبار أن السوق مغلق. وفي هذا السياق، طالب نكيمي بضرورة إنشاء خريطة نشر واضحة تساهم في تذليل صعوبات الترجمة في المنطقة، بالإضافة إلى إنشاء صالون دولي للكتاب يكون فضاء تلاق بين الناشرين والكتاّب والمترجمين. أما المترجمة الدنماركية من أصل سوري، عواطف جون ايلي ضاحي، فقد تناولت واقع ترجمة النصوص من اللغة العربية إلى الدنماركية، فقالت انه ضعيف جدا، خاصة في بلد يصدر سنويا من ألف إلى ألفي إصدار جديد. واستطردت أن الأعمال المترجمة من العربية أو تلك المترجمة من الإنكليزية والفرنسية والتي ترجمت من العربية، قليلة جدا ولا تتجاوز مبيعاتها الطبعة الأولى ما عدا بعض الاستثناءات القليلة جدا. وفي نفس السياق، أضافت المتحدثة أن الأعمال العربية التي لقيت بعض النجاح، هي التي تطرقت إلى المحرمات في الإسلام مثل رواية المصري علاء الأسواني ''عمارة يعقوبيان'' وأعمال أخرى في نفس الموضوع. بالمقابل تأسّفت المتحدثة عن التحفظ الثقافي الذي تشهده الدانمارك والذي وضعها في خانة الانطوائية والاكتفاء الذاتي، حيث نددت بهذه العزلة وطالبت بالمزيد من ترجمة الأعمال المكتوبة باللغة العربية، باعتبار أن الترجمة هي أنسنة الآخر والتعريف بمشاغل ومشاعر الآخرين. بالمقابل، نوّهت عواطف برواية واسيني ''البيت الأندلسي'' والتي تعكف على ترجمتها، حيث أكدت على المستوى الأدبي والثقافي الجيّد لهذا العمل. من جهتها، طرحت جستين مينتسا من الغابون (أستاذة الأدب الانكليزي بجامعة عمر بانغو)، إشكالية الترجمة في بلد يضم مليون ونصف مليون نسمة ويستعمل خمسين لهجة مختلفة، وقالت أنه من الصعب ترجمة عمل ما بلغة الآخر، خاصة إذا كانت هذه اللغة تنتمي إلى بيئة مغايرة. مضيفة قولها أنها أحيانا تقوم باختراع كلمات فرنسية تتلاءم مع اللغة المستعملة في الغابون، وهذا حتى يكون هناك إيصال أسهل للفهم، كما أن هناك مشاكل أخرى تتعلق بالترجمة مثل ترجمة الأصوات. وطالبت جستين بضرورة أن ينسى المترجم عالمه في الترجمة وان يدخل بكل قواه إلى عالم مؤلف النص الأصلي. أما الكاتب والصحفي الجزائري المقيم بإيطاليا، عمارة لخوص، فقد تطرق إلى تجربته الخاصة مع الترجمة، حيث يترجم أعماله بنفسه، وفي هذا السياق قال أنه لا يشعر بأي قيد حينما يترجم أعماله من العربية إلى الايطالية، بل انه حر في تغيير ما يريد تغييره في أعماله. وتحدث عمارة عن عمله الأخير ''القاهرة الصغيرة''، فقال انه كتب طبعتين واحدة باللغة العربية والأخرى باللغة الإيطالية في نفس الوقت. مضيفا انه يستعمل اللهجات في الحوارات، فقد استعمل مثلا اللهجة النابولية بالنسبة شخصية من نابولي ونفس الشيء بالنسبة لشخصية تونسية تتحدث في حوارها باللهجة التونسية. مضيفا أنه يستعين بأصدقاء لكي يتمكن من استعمال اللهجات المختلفة.