ليس من السهل استخراج شخصيات مغمورة من ركام التاريخ، لم يكتب لها الظهور والبروز على مستوى الكتب التاريخية إلا من ناحية تناثر أسمائها في بطون الكتب وبعض الوثائق يكتنفها الغموض مرة، ومرة شخصيتها غير الواضحة المعالم والتي لم تجد الاهتمام الكامل لإبرازها وإخراجها من حيزها العابر للسطور السريعة إلى جعلها شخصية مركزية فاعلة في الحدث مؤثرة فيه، ومن هذه الشخصيات المغمورة شخصية سيدي السعدي رجل الدين والتقوى والقرآن، وأيضا رجل الجهاد والوقوف في وجه الاستعمار الفرنسي، مقاوما ومجاهدا ومحرضا على الجهاد والمقاومة. إظهار شخصية وطنية والكشف عنها وتقديمها للناس اعترافا بما قدمته، لهو شيء من المكاسب التاريخية التي عمل الاستعمار على حجبها وردمها حتى لا تظهر، بل تعمّد حتى على تزوير الأسماء والألقاب من أجل تفكيك الأسر الجزائرية وبعثرتها ومن ثم الاستيلاء على ممتلكاتها ومصادرتها، سيدي السعدي الذي تشهد له بعض الكتابات الوطنية أمثال الجيلالي، توفيق المدني، سعد الله وغيرهم شخصية مغمورة نسج عليها النسيان خيوطه فلم يبرز ولم يظهر كبقية الشخصيات الفاعلة والمؤثرة في الحياة السياسية والجهادية إبان التصدي للاحتلال في أيامه الأولى والدفاع عن الجزائر العاصمة. يقول الدكتور أبو القاسم سعد الله في كتابه الحركة الوطنية الجزائرية في جزئه الأول، واصفا مسجد سيدي السعدي : »يقع فوق حديقة ''مرنقو'' (ضريح الشيخ الثعالبي) وربما يرجع إلى القرن السابع عشر وهو بدون منارة وفيه ضريح سيدي السعدي«. ويعرفنا الدكتور أبو القاسم سعد الله على هذا الولي الصالح على هامش الكتاب قائلا : »وهو أحد جدود الحاج سيدي السعدي الذي تولى الدفاع عن مدينة الجزائر ثم انضم إلى الحاج بن زعمون للدفاع عن متيجة، ثم إلى الأمير عبد القادر«. أما بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لثورة نوفمبر في كتاب صدر عن وزارة الإعلام والثقافة تحت عنوان ''كيف تحررت الجزائر؟''، فيأتي ذكر سيدي السعدي في المقاومة الشعبية في الصفحة العاشرة من الكتاب، تقول فقرة المقاومة الشعبية : » واجه الفرنسيون بعد احتلالهم مدينة الجزائر ثلاثة أنواع من المقاومة، مقاومة سياسية طبقة التجار والعلماء وأعيان المدن، مقاومة شعبية دينية قام بها مشائخ ورؤساء قبائل تحت راية الجهاد في سبيل الله والأرض والشرف والوطن وتولاها زعماء أمثال ابن زعمون والحاج سيدي السعدي والآغا محي الدين والأمير عبد القادر بعد والده«. ويمضي الكتاب في ذكر المقاومة الشعبية وصمود أبناء العاصمة الجزائرية في وجه الاحتلال الفرنسي ومقاومتهم له فيقول : » كانت جماهير سكان القرى في متيجة أول من اصطدم بالواقع منذ 23 جويلية 1830 اجتمع ممثلو قبائل بني خليل والخشنة والسبت وبني موسى في برج تمنفوست وقرروا شن المقاومة، وكذلك فعل سكان مدن بوفاريك والقليعة والبليدة وشرشال، وظهرت سلسلة من الاصطدامات مع العدو تحولت تدريجيا إلي ثورة عامة ظهر خلالها زعماء لعبوا دورا دورا هاما في سنوات الاحتلال الأولى (1830 - 1832) وهم: ابن زعمون من قبيلة فليسة والحاج سيدي السعدي من مدينة الجزائر، ومصطفى بومرزاق وابنه أحمد ومحي الدين بن المبارك من القليعة«. ويضيف الكتاب: » في صيف 1831 استطاعت قوات ابن زعمون وبومزراق والحاج سيدي السعدي حصار الجزائر العاصمة«. كما نجد في نفس الكتاب: » في أكتوبر 1832 وقعت معركة (سوق علي) قرب بوفاريك التي جندت لها القوات الفرنسية كل ما لديها من قوات وأسلحة لتجعل منها معركة فاصلة بينها وبين قوات المقاومة في كامل منطقة المتيجة، وذلك ما كان، فإنها انتصرت على الثوار فارضة على ابن زعمون الاعتزال التام، أمّا سيدي السعدي وابن المبارك فإنهما سوف ينضمان الى حركة الأمير عبد القادر«. أما الشيخ عبد الرحمن الجيلالي فإنه يذكر لنا جد الحاج سيدي السعدي في كتابه تاريخ الجزائر العام الجزء الثالث : » ثم يأتي ذكر اسم السعدي باي وهو الثامن.. ويقال إن السعدي باي هو عاشر من تولى هذا المنصب (1817)«. ويخصص الشيخ عبد الرحمن الجيلالي فقرة للحاج السعدي في كتابه تاريخ الجزائر العام تحت عنوان » ظهور الحاج على بن السعدي في الميدان«، وجاء في هذه الفقرة : » هو أحد زعماء جبال زواوة وأعيان أركان النهضة التحريرية ببلاد القبائل، قام بدعوة الناس إلى الجهاد ومكافحة العدو بناحيتهم، وبعد أن التف حوله جموع من المجاهدين زحف بهم إلى سهول متيجة وخيّم هناك بوادي الكرمة، ومن ثم اتصل بأعيان الجزائر وأبطالها الأشاوس وكان من بينهم محي الدين بن علال بن سيدي مبارك الذي كان أن اصطفته السلطة الفرنسية وقربته إليها على نية الاستعانة به على بسط نفوذها بالبلاد، فولته منصب (آغا العرب)، ولما علم الجنرال ''تريزين'' بهذا الاتصال الواقع بين الآغا وابن السعدي عجل بالخروج إلى الناحية التي اجتمع فيها الرجلان فشتت ما كان تجمع هنالك من جموع المجاهدين أتباع الزعيمين، ولم يمض إلا قليل حتى أعاد المجاهدون الكرة على الجيوش الفرنسية فغنموا منها مغانم كثيرة وتعقّبوها إلى أن اضطرت إلى الالتجاء إلى العاصمة... ثم استؤنف القتال وتقدّم المجاهدون نحو العاصمة حتى بلغوا باب عزون - أحد أبواب العاصمة شرقا - ويؤمئذ عمد الجنرال الى سياسة اللين«. هذه بعض الومضات عن مقاومة المجاهد سيدي السعدي صاحب زاوية تامنفوست ببرج البحري وزاوية بالجزائر العاصمة، وسنعود إلى الموضوع للتطرق لمزيد من الإضاحات حول هذه الشخصية من خلال أحد أحفادها وهو السيد موسى السعدي وطرح المشاكل التي تعاني منها هذه العائلة المجاهدة، منها الاستلاء على أملاكها رغم الوثائق التي تؤكد ملكيتها للأراضي، وهذه الوثائق في حوزتها، وكذا المراسلات التي راسلت بها الجهات المختصة. إن حياة سيدي السعدي حياة جهاد وعلم وصلاح، وبقيت هذه البذرة الطيبة إلى غاية اندلاع ثورة نوفمبر المباركة.