استفاق الفلسطينيون أمس على وقع القنبلة التي خلفها نشر قناة ''الجزيرة'' القطرية لسيل آخر من الوثائق السرية التي تضمنت كل حيثيات المحادثات السرية والعلنية بين المسؤولين الفلسطينيين والإسرائيليين في إطار مفاوضات السلام الثنائية منذ سنة .2008وأحدثت التسريبات التي بلغت ألف وستمائة وثيقة سرية ضجة كبيرة في أوساط السلطة الفلسطينية وردود أفعال متباينة بشأنها من طرفها ومن حركة حماس وعامة الشعب الفلسطيني وحتى في إسرائيل. وتعد هذه اكبر تسريبات لوثائق سرية لمفاوضات مازالت جارية بعد تلك التي أقدم عليها موقع ويكليكس الذي ضرب الدبلوماسية الأمريكية في المقتل بعد أن فضح ممارسات وطرق عمل سفراء الولاياتالمتحدةالأمريكية وشبههم بمجرد جواسيس أكثر منهم دبلوماسيين. ولم يصمد الرئيس الفلسطيني محمود عباس المعني الأول بهذه التسريبات دون الرد عليها وقال مشككا فيها أنها ليست وثائق فلسطينية وإنما وثائق إسرائيلية. ويؤكد مثل هذا الرد أن السلطة الفلسطينية أصيبت بدهشة ولم تكن تتوقع أن تفضح تلك الوثائق طرق التفاوض التي ينتهجها الجانب الفلسطيني مع الإسرائيليين والليونة التي أبداها مفاوضو الطرف الفلسطيني التي بلغت حد تقديم تنازلات تجاوزت الخطوط الحمراء قابلها إصرار إسرائيلي على الحصول على المزيد من التنازلات. وكان رد صائب عريقات كبير المفاوضين مرتبكا وغير مقنع بعد أن وضعته الوثائق في قلب عاصفة سياسية جديدة إلى جانب احمد قريع الرئيس السابق للوفد الفلسطيني المفاوض إلى جانب الرئيس محمود عباس بعد أن أكدت أن المفاوضين الفلسطينيين ضحوا بقضايا مبدئية وثوابت لا يمكن التفاوض بشأنها وخاصة عندما يتعلق الأمر بالقدسالشرقية وقبة الصخرة والحرم الإبراهيمي وحائط البراق التي ترمز جميعها إلى قدسية المدينة لدى قرابة ملياري مسلم في العالم. وحسب أولى التسريبات فإن المفاوضين الفلسطينيين في قيادة السلطة ضحوا بمواقع استراتيجية في القدسالشرقية تلبية لمطالب الحكومات الإسرائيلية في الحي اليهودي والأرمني والشيخ جراح وبلغت إلى غاية حائط البوراق دون الحديث عن قضية اللاجئين التي أكدت هذه الوثائق أن السلطة الفلسطينية رضخت فيها بطريقة ضمنية لموقف إسرائيل الرافض لعودتهم. وقال صائب عريقات احد اكبر المستهدفين من هذه الوثائق أنها مجرد أكاذيب لا تستند إلى أي دليل ولكنه أشار إلى أن ''السلطة الفلسطينية ستعكف على التدقيق فيها لإحقاق الحقيقة وسنكون حينها مضطرين لنشر كل وثائق دائرة المفاوضات وسنعمل ذلك لاحقا لأنه ليس لدينا ما نخفيه''. وذهب ياسر عبد ربه المفاوض الفلسطيني الآخر إلى ابعد من ذلك عندما أوضح أن أمير دولة قطر الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني أعطى الضوء الأخضر للقناة القطرية للبدء في حملة ضد السلطة الفلسطينية. وأضاف أن القرار سياسي تم اتخاذه على أعلى مستويات السلطة في قطر. ولكن عبد ربه وعلى نقيض صائب عريقات لم يشأ التأكيد في ندوة صحفية عقدها أمس ما إذا كانت الوثائق حقيقية أم مزيفة''. ولأن مضمون الوثائق خطير جدا على قضية الشعب الفلسطيني فإن وزارة الإعلام استبقت نشر باقي الوثائق الأخرى وأكدت أن الأمر يتعلق بمؤامرة بالنظر الى التوقيت الذي تم فيه الكشف عن وثائق بمثل هذه الأهمية. وأكدت الوزارة في بيان تسلمت ''المساء'' نسخة منه أن الوثائق مطعون في صدقيتها ولا تستند إلى أي دليل مقنع وان قناة الجزيرة تريد فقط البحث عن مغامرة إعلامية لمحاكاة موقع ويكليكس. ونفت الوزارة أن تنقلب السلطة الفلسطينية على مواقفها الرافضة للاستيطان وأن تتنازل عن القدس والثوابت الفلسطينية الأخرى. وعلى نقيض موقف السلطة فقد تلقفت حركة المقاومة الإسلامية ''حماس'' إعصار هذه الوثائق وأكدت في اول رد فعل لها أن ذلك يؤكد تورط السلطة الفلسطينية في محاولات تصفية القضية الفلسطينية.وقال سامي أبو زهري الناطق باسم الحركة في قطاع غزة أن خطورة الوثائق يكمن في تأكيدها على تورط السلطة الفلسطينية في محاربة المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وعدوان إسرائيل على القطاع نهاية سنة .2008 وكان ابو زهري يشير إلى وثيقة مسربة من بين ال1600 اشارت إلى أن عاموس غيلاد مدير الشؤون السياسية بوزارة الدفاع الإسرائيلية اعلم الرئيس محمود عباس بنية حكومة الاحتلال في شن عدوانها على سكان قطاع غزة. ولكن من سرب كل هذا السيل من الوثائق التي مازالت تحظى بسرية تامة في إسرائيل كما لدى السلطة الفلسطينية؟ وتضاربت المواقف بهذا الشأن فإذا كانت قناة ''الجزيرة'' قد رفضت رفضا قطعيا الكشف عن مصدرها فإن الرئيس محمود عباس قال أنها وثائق إسرائيلية في حين ذهب صائب عريقات إلى التأكيد أنها مزيفة وسيقوم بنشر الوثائق الحقيقية. إلا أن ياسر عبد ربه لم يقل لا هذا ولا ذاك وأكد بطريقة ضمينة على صدقيتها وقال أن من سربها ليس محمد دحلان كما زعمت المصادر الإسرائيلية مستغلة في ذلك خلافاته مع الرئيس محمود عباس وأكدت انه فعل ذلك انتقاما من هذا الأخير.وقال عبد ربه أننا نعرف من سربها والأمر يتعلق بموظف داخل منظمة التحرير الفلسطينية. والواقع انه لا يهم من سربها ولكن درجة صدقيتها لأن ذلك اذا تأكد يعني أن القضية الفلسطينية أصبحت فعلا في خطر وان التهاون في الدفاع عن ثوابتها يسير في إطار خدمة الأهداف الإسرائيلية بالسيطرة على المدينة المقدسة ورهن مستقبل الدولة الفلسطينية.