هل الديمقراطية لباس مفصل على قامات استحوذت على هذه الكلمة وحاولت احتكارها كأي ملكية خاصة لا يجوز لغيرها التقرب منها أو العمل بها؟ وأضافت لهذه الجملة جملة أشمل وأعم منها وهي الثقافة التي تتصور بها وتحتكرها كمطية عاطفية لتوصلها إلى مالم تستطع أن تصله عن طريق الديمقراطية التي يفصل فيها الصندوق. الديمقراطية والثقافة هما كما الدين فلا يحق لأحد أن يحتكرهما لصالحه ويدخل من يشاء الديمقراطية والثقافة ويخرج من يشاء منهما. الجزائر دخلت موسم الديمقراطية وحرية التعبير في التسعينات من القرن الماضي وفتحت أبواب كل دكاكين السياسة بما فيها الديني والملحد والعلماني وتركت الصناديق تفصل ما بين المتنافسين، وبعد أن فصلت الصناديق كفر المؤمنون بما حرم الله من قتل النفس بغير حق، وكفر الديمقراطيون أو من نعتوا أنفسهم بها -بالديمقراطية- وها هم اليوم يحاولون أن يجروا الشارع الجزائري إلى كارثة أخرى بعد أن استطاع أن يخرج من الأزمة الدامية بعشرات الآلاف من الضحايا، وليس الأمر فيما إن كان هذا ضحية ديمقراطية وذاك ضحية ثقافة أو إيديولوجية معينة المهم أنه جزائري. الثقافة ليست حكرا على جهة أو على أحد بل هي موروث شعبي يشترك فيه جميع الشعب الجزائري ويعتز به ويساهم في ترقيته وتوظيفه في حياته اليومية، فالثقافة الجزائرية لها منابعها وروافدها ولا يمكن أن نأخذها من رؤية واحدة أو زاوية واحدة، أو جهة واحدة، فالثقافة كل متكامل ولا يمكن أن يكون دعاة الديمقراطية أمناء عليها ولا بدلاء لها لأن الثقافة هي الشعب من أقصاه إلى أقصاه بكل أبعاده وموروثاته لكن دعاة التغيير الوهمي يطرحون أنفسهم بدلاء للمسار الديمقراطي الذي عرفته الجزائر ويحاولون فرض وجهة نظرهم بعد أن خيبتهم الصناديق وأخرجتهم من اللعبة التي طالما ادعوا أنهم يجيدونها. إن الديمقراطية التي تسقط ضحايا وتزيد في رقم مئات الآلاف الذين سقطوا هي ديمقراطية مدمرة ودعاتها ما يزالون لم يفهموا الدرس من الصناديق التي لفظتهم. الدعوة إلى التغيير تقتضي طرح البديل من البرامج ومن الرؤى، والبديل الذي يتم طرحه اليوم من دعاة المسيرات والتغيير هم أنفسهم، أي يريدون أن يصلوا إلى سدة الحكم وهذا في رأيهم التداول على السلطة وهذه هي الديمقراطية والثقافة. وهكذا يريدون أن يتحول كل قزم قزمته الديمقراطية ولم تعترف به كابن شرعي لها إلى عملاق رغم غموض ملامحه التي لا تريد إلا الديمقراطية المزيفة التي يتم تزويرها عن طريق وسائل الإعلام الجانبية. ليس هناك بديل آخر غير الصناديق والمسيرات لا تهب السلطة ولا تعطيها لأحد لأن مآل كل مسيرة أن تمتحن في الصندوق والصندوق وحده الذي يقرر البديل والبدائل.