عندما يأتي الموت تفقد الكلمات رائحتها، يفقد الحرف أريجه... ولم يبق لي صوت إلا صوت الدموع الصامتة التي لا تستطيع الانحراف عن مجرى العين... حينما جِئتني كلمة مرتجفة في صوت كعبوب، وحينما جئتني طائرا للعزاء في صوت الزميلة نوال جاوت.. أجهشت بالصمت واستمطرت المغفرة ولم تسعف صبري آيات الحمد والرجوع... علي ذلك الطفل المتخلق المفتوح على الفرح كله، ذلك الشاب الذي أحبه الكل وأحب الكل... علي يونسي الذي كتبت له تهنئة عرسه... وها أنا أكتب له مسيرة رمسه، اعترف أنني فقدت توازن الكلمات، ولم استطع السيطرة على ارتجافات القلم الذي ينزف بسواد الحبر. علي هاهي ''المساء'' تفتقد عصفورا من عصافيرها وقلما طالما فتح صدره للوطن وراح يكتب همومه ومشاكله ويفتح أبوابا للأمل وللطريق. علي كنت أرجو أن أكتب تهنئة لميلاد طفلك، وها أنا أكتب مرغما دمعة لرثائك وأنا الذي لا يحسن كتابة الرثاء، ولا يلتزم بحدود الموت، ولا يفقه إلا الدعاء. علي أنا أعلم أنك شاب ملأه الايمان بالله، فأنت المواظب على الصلاة.. وأنت الذي لا ترفع أبدا فأس لسانك في احتطاب الناس. وأنت الذي ماحملت حقدا لأحد فكيف أوفيك حقك في الدعاء إلا أن أرجو من الله الذي استعادك إليه أن يدخلك في وسيع رحمته وينزلك منزل الصالحين، وأن يمد عائلتك بالصبر المأجور ويشد على قلوبهم بالجلد في فقدك، وأن يجعل ذنبك مغفورا، وصبرهم محمودا مشكورا. علي فقدناك لكن تبقى ذكراك تنفح بطيبك على ألسنتنا ولن ننساك. ''إنا لله وإنا إليه راجعون''