القصيدة التي استوطنت القضية، الحرف الذي لم يتعب من تشكيل الجرح، الصوت الذي لملم آهات الأمهات وكفكف الدموع بأنامل الشعر ومشى سنبلة على وجهات الفجر المبلل بأجفان القدس التي تراقب مناورات الظلام. رحل الصوت وأنهمر الصمت ليغطي جنائز الانتفاضات والحصار، وترحل بيروت في أعماق قصيدة ممزقة أحشاء الكلمات بخنجر يبحث عن جرح يؤلمه لكي يصيح سنعود. العائد اليوم هو القامة نفسها بحجم الظل والمديح، والصامت اليوم. هو الجرح ذاته الذي ابتكر ما لا يحصى من الشفاه حتى يتمكن من اختراق الآذان التي يسدها الزيف فلم تعد تسمع الا لذلك الصدى الممتطي صوت الأنبياء، لكن الرعد يعزف ترنيمة الانتقام، تخجل السماء فتتوشح بالسحاب.. العائد اليوم دقات قلب عمده الشعر حينما قرأ الفاتحة عند صلاة الفجر. ورغم تعدد الطرق التي فجرتها القضية، ورغم كل أشكال الوجوه القادمة من الشمال فإن الحذر لم يعد يجدي، والكلمات وان تحولت الى كروم تنشي منها القضية الا أن كل الكؤوس قد تم تكسيرها، وكل مآدب الشعراء قد تحولت الى مخيم للعزاء بدل اللجوء، أيها المسافر على متن الكلمات، وأيها العائد على وميض الأحرف لطالما اتعبت السفر وابيته وطالما صحت بالجرح العظيم "أيها الجرح المكابر وطني ليس حقيبة وأنا لست مسافر" هي ذي حقائبك تنفلت أوراقها.. وهذه دفاتر أشعارك تقاوم الهزيع الأخير، وحيفا تسترجع طفولتها التي افتقدتها ذات ليل هروب لتعود مثلما خرجت متسللة من منافذ الحنين، خالعة نعليها لترتشف التراب. يا هذا الصوت القادم من هناك الكلمات المستعصية لم تزل تطاردها خيول الظلام، الفرح الذي تبتضعه من حلم عابر ليلة ميلاد قد سال من عيون الانتفاضات أطفالا وحجارة وأنت تقرأ قصيدك الأخير لرسم خطوط العودة مع الفجر الذي طار. محمود درويش ما تزال القصيدة تفتح للشعراء عالمك الغريب... وماتزال أنت تمتطي الأحرف كفارس الأساطير. أغمض عينيك ونم على حلم القضية لأن فلسطين مازالت تحفر أنفاق العودة.