في نشاطها الثقافي الأسبوعي استضافت جمعية الجاحظية مساء أول أمس، الأستاذ فرحان صالح، الذي ألقى محاضرة تحت عنوان ''في البحث عن موقع للعرب في القرن الحادي والعشرين''، حاول من خلالها الإجابة على بعض الأسئلة التي رآها ذات أهمية حول موقع العرب على خارطة النهوض والتقدم العلمي، والبحث من جهة أخرى عن موقف المثقف من عصر المعلوماتية والتعددية وعن سبب التخلف عن مسايرة التنوير والنهضة؟ استعرض الاستاذ فرحان في كلمته، المراحل التاريخية التي قطعت في دروب التنوير مع الثقافة الاقطاعية تاريخيا، مستشهدا بالدعوات الاستقلالية عن الأجنبي التي رأى بأنها - الدعوات - لم تترافق مع أخرى مماثلة لإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية عربية داخلية. ورأى المحاضر أن ثقافة الاقطاع ما تزال قائمة ومتواطئة مع ثقافة المستعمر رغم الدور الذي لعبته العلمانية خلال الحرب العالمية الأولى في فصل الدين عن الدولة. واتهم المحاضر الأنظمة القائمة بتعاملها مع الثقافة كسلعة ومع المثقف كمرتزق. أما المؤسسات فإنه يراها تقوم بالترويج لثقافات تقليدية قديمة لم توظف الثقافة العلمية والنظريات المعرفية الحديثة، مما جعلها السبب الرئيس في منع العرب من ركب ثقافة العصر. كما دعا المحاضر المؤسسات الثقافية إلى احتضان المفكرين والكتاب من أجل ثقافة حداثية تنفتح على العصر وتستوطن المجتمعات العربية بعيدا عن الثقافة الاستهلاكية المستوردة من الغرب والسياسات الغربية. وعن الجدل في الساحة حول الظواهر الثقافية، فيرى الأستاذ فرحان أنها أخذ وعطاء ونفي للسكون والانعزال، أما الجدل الإيديولوجي فهو ظاهرة عددية خاملة. أما من ناحية الرؤية الاجتماعية فإنه - فرحان - يراها جوهرية، لا سيما وأن بعض المثقفين يعتبرون الشعب عددا لا فائدة فيه، وعليه يضيف - المحاضر - نجد الرجعية الثقافية القائمة قد أدت إلى تجهيل الوعي الشعبي وإلى الاستقواء بالغربي، وهذا ما ينبغي أن يواجهه المثقف من خلال تركيزه على الاختصاصات العلمية المنتجة. وحسب الأستاذ صالح فرحان، فإن المثقف فقد الثقة بنفسه وبالدول التي ينتمي إليها، مما جعله يهاجر بلده دون أن يسأل أحد عنه، ويقدر عدد المهاجرين بنحو مليون عالم يخدم الغرب. وهاجم الأستاذ صالح فرحان العادات والتقاليد بشدة وشراسة حيث يقول: '' لقد قدسنا ولازلنا، العادات والتقاليد البالية.. العين لا تنظر إلا لتنتهك المحرمات، والأذن لا تسمع إلا لتمهد السبيل إلى أخس الخساسات، وعقلية كهذه تقود إلى تدمير الذات''. ويرى المحاضر من جهة أخرى، أن الثقافات الماضوية تروّج لعقليات تزعم العلم، وترّوج للخرافات ولثقافات مستلبة. وتساءل المحاضر هل تجاوزنا مرحلة ما بعد الاستعمار؟ ويرى المحاضر أننا لم نتجاوز هذه المرحلة نظرا لضعف الولاءات الوطنية حيث لم يتجسد في الثقافة العربية مفهوم المواطنة ولم يتبلور مفهوم المساواة، والتعتيم الذي يمارس في وسائل الإعلام، والرشوة وإعادة الاعتبار للمنظومة الأبوية والتقاليد التي ترفض المساواة بين الجنسين واستغلال الدين في السياسة. كما هاجم الأستاذ فرحان في محاضرته بعض المثقفين الداعين إلى خلق مناخات للقيم الغربية، متجاوزين ما في المجتمعات العربية من تقاليد منتجة يمكن التأسيس عليها. كما أكد المحاضر أن الانقسامات الطائفية والدينية كما تمارس اليوم هي انقسامات سياسية، لأن الأصل الثقافي للعرب ليس واحدا، وليس للدين شأن في ذلك لأن مفهوم الله ليس سلعة، وليس قوة خفية يدور حولها النزاع. ويرى صالح فرحان أن الأجيال المقبلة قادرة على تحقيق اتحاد بين الدول العربية، يتحقق من خلاله التعاون الاقتصادي والتربوي والمالي وتتوحد فيه الهوية، ومن خلال هذا الاتحاد نعيد المعنى للتاريخ للإدارة المشتركة، والمعنى للآداب الوطنية. ودعا المحاضر إلى حرية إبداء الرأي باعتبارها - الحرية - هي النقد، المبادرة، التفكير، متسائلا في ذات الوقت هل تسمح السياسات الراهنة بتحقيق هذا أم أنها تترك الحريق يمتد ويبقى المستقبل بحكم الغيب؟ بعد المحاضرة دارت المناقشة حول المثقف ودوره والتعريف بالمثقف ومن هو المثقف؟ وبقي السؤال مطروحا لأنه لم يجد الإجابة الشافية.