عاشت باكستان أمس أول أيامها في ظل أحكام حالة الطوارئ التي أعلن عنها الرئيس برويز مشرف وسط تضارب في المواقف حول دواعي اللجوء الى هذا الاجراء الذي سيضع سلطة إصدار القوانين بين يدي الرئيس على حساب السلطة التشريعية في البلاد· وشهدت كبرى المدن الباكستانية بما فيها العاصمة إسلام أباد وتلك المحسوبة على المعارضة إجراءات أمنية غير مسبوقة تم من خلالها تكثيف نقاط المراقبة على الطرقات الرئيسية وحول مقرات الهيئات والمؤسسات الرسمية تحسبا لأية مظاهرات رافضة لهذا القرار الذي فاجأ الكثير من المتتبعين للشأن الداخلي الباكستاني· ولكن الرئيس برويز مشرف أعطى الدوافع التي جعلته يلجأ الى اتخاذ هذا القرار الذي سيمكنه من اتخاذ كل القرارات وإصدار القوانين دون المرور على الهيئة التشريعية ولا العودة الى دستور البلاد الذي جمد العمل بمواده إلى اشعار آخر· ولكن الرئيس الباكستاني لم يجد من مبرر لإعلان حالة الطوارئ سوى التأكيد بأن الارهاب بلغ ذروته مما استدعى اللجوء إلى اتخاذ هذا القرار، وقال برويز مشرف في خطاب ألقاه مساء السبت أن إعلان حالة الطوارئ كان ضروريا للمحافظة على الوحدة الوطنية ومواجهة نزاعات داخلية خطيرة، حيث أشار في هذا الشأن إلى الهجمات المسلحة المتكررة التي تعرضت لها القوات النظامية وكان آخرها العملية الإنتحارية التي استهدفت رئيسة الوزراء السابقة بينظير بوتو يوم 18 أكتوبر الماضي لدى عودتها من منفاها الاضطراري· وأضاف أن نظام الحكم أصبح شبه مشلول بمبرر أن المحاكم أصبحت تهمين على كل الموظفين الحكوميين مما جعلهم يفقدون سلطة اتخاذ القرارات· وكان الإتهام واضحا باتجاه المحكمة العليا التي أيدت مواقف متعارضة مع السياسة الباكستانية وهو ما اعتبره الجنرال مشرف بأنه ضرب لسياسته الداخلية وخاصة ما تعلق بمحاربة الارهاب ومسلحي القبائل، ولكن خلفية القرار أرجعها المتتبعون الى احتمال رفض هذه الهيئة خلال إجتماعها القادم في 12 من الشهر الجاري نتائج الإنتخابات الرئاسية الماضية التي فاز الرئيس مشرف بنتائجها· ويبدو أن لعبة الشد والجذب وعدم الثقة التي ميزت العلاقة بين الرئاسة الباكستانية والمحكمة العليا ستتواصل بعد أن اعتبرت هذه الأخيرة قرار الرئيس مشرف اعلان حالة الطوارئ بغير القانوني وطالبت بإلغائه، لكن الرئيس الباكستاني رد على هذا الطلب بجملة اعتقالات واسعة شملت أهم الشخصيات المعارضة لسياسته وخاصة في اوساط المحامين والصحافيين· وأكد الوزير الأول الباكستاني شوكت عزيز أن 500 شخص تم اعتقالهم منذ إعلان حالة الطوارئ ضمن اجراءات وصفها ب" الوقائية"· وأضاف المسؤول الباكستاني أن البرلمان الفيدرالي الذي لم يتم حله منحت له صلاحيات تأجيل الإنتخابات العامة لمدة عام آخر بعد أن كانت مقررة بداية العام القادم· وجاءت تأكيدات الوزير الأول الباكستاني بعد تصريحات سابقة لمساعد وزير الإعلام طارق عازم والذي أكد أن لا شيء مؤكد بخصوص المواعيد الإنتخابية بما فيها الإنتخابات العامة· وكان من المقرر أن يشهد باكستان منتصف شهر جانفي القادم تنظيم انتخابات عامة مباشرة لانتخاب نواب البرلمان الفيدرالي وانتخابات أخرى لانتخاب نواب أربع مجالس محلية حيث كان الباكستانيون يأملون في عودة الديمقراطية الى البلاد بعد ان استولى الرئيس مشرف على الرئاسة منذ أكتوبر 1999 وإذا كان الرئيس الباكستاني اعتبر أن الإجراء الخاص بإعلان حالة الطوارئ سينقذ البلاد من خطر التقسيم وبشكل خاص حماية سلطته من الانهيار، إلا أن العديد من المتتبعين أكدوا ان القرار قد تكون له انعكاسات سلبية ضده مع احتمالات متزايدة لتكثيف الجماعات المسلحة الإسلامية لعملياتها ضد القوات النظامية· وشبه محللون سياسيون الوضع الذي يواجهه الرئيس الباكستاني بوضع ربان سفينة بدون بوصلة توجيه في بحر هائج بما يجعل مصيره مجهولا. *