فرنسا اليوم مطالبة بمراجعة ذاتها ومراجعة تاريخها الاستعماري على ضوء مبادئ دورتها التي قامت على الحرية والأخوة والمساواة اللهم إلا إذا كانت هذه الثورة أنانية حتى النخاع رغم ما عمل الفرنسيون من كتاب وسياسيين على الترويج لها بأنها ثورة عالمية. فقد ناقضت فرنسا بعد سنوات من نجاح ثورتها المبادئ التي قامت عليها وأطلقت لجيوشها العنان لاستعمار واستعباد واستغلال شعوب بأكملها، وعندما قوبلت بمقاومات هذه الشعوب التي كانت تدافع عن حريتها عمدت إلى ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وعميت بصيرتها عن مبادئ الحرية والأخوة والمساواة. وإذا كانت فرنسا الرسمية اليوم قد عمي بصرها عن رؤية الوقائع التاريخية وأدارت ظهرها لماضيها الاستعماري فإن بصيرة الشعب الفرنسي المتعلق بمبادئ ثورته يجب أن تبقى حية، وعلى الشعب الفرنسي الذي يعتز بهذه الثورة أن يندى جبينه لما اقترفه ساستها وعسكريوها من جرائم في حق الشعب الجزائري وغيره من الشعوب التي استعمرتها. ولأن التاريخ لا يرحم فإنه من المنطقي أن تتحمل فرنسا الفاتورة المعنوية والمادية للمجازر التي اقترفتها بدءا من أول يوم نزلت فيه عساكرها بسيدي فرج مرورا بالقمع الوحشي للمقاومات الشعبية بكل ربوع الوطن ومجازر 8 ماي ,1945 وانتهاء بضحايا سبع سنوات حرب التحرير الوطني استعانت فيها فرنسا بالحلف الأطلسي لإخماد صوت الحق وإجهاض حرب التحرير فكانت الضريبة مليونا ونصف مليون شهيد. زيادة على ذلك تميز الاستعمار الفرنسي للجزائر بخصوصيات لم تعرفها أي مستعمرة في التاريخ حيث عملت منذ الوهلة الأولى على مسخ المجتمع الجزائري وطمس مكونات هويته بالتقتيل والتفقير والتجهيل والإبادة الجماعية عندما تفشل الأساليب الأخرى. فقد انتهكت فرنسا باحتلالها الجزائر وطيلة فترة الاحتلال كل ما يتصوره المرء من حقوق الإنسان بحيث يعجز أي قانون دولي أن يحصر جرائمها أو يكيفها أو يجد لها العقوبة المناسبة! وبالتالي فإن الاعتراف والاعتذار أقل ما يجب أن تقوم به فرنسا تجاه الجزائر.