''هل تحدث نفسك أحيانا؟'' كان السؤال الذي طرحته ''المساء'' على بعض المواطنين، فمنهم من قال: وهل أنا مجنون حتى أكلم نفسي وأفعل ذلك!!! ومنهم من قال إنه أصبح دكتور نفسه بعد ان فتح مع نفسه جلسات يحاسبها ويلومها ويعلمها كذلك، ومنهم من علمته لحظات الصراحة مع نفسه أن يكون صريحا وواضحا مع كل الناس. تمر علينا لحظات نحتاج فيها للجلوس مع أنفسنا لمحادثتها أو لومها، فالإنسان بحاجة إلى محاسبة نفسه وأن ينتقدها ويمتدحها أحيانا، هذه الجلسات قد تكون جلسات صراحة، وقد تكون حديثا عاديا يمر فيه الإنسان على كل ما حدث في يومه. جلسات صراحة ومحاسبة النفس كل إنسان يتحدث مع الآخرين بشتى المواضيع، الأحاسيس والطموح، والمستقبل والماضي سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ولكن عندما يخلو مع نفسه ويستعرض ما جرى له في يومه وكأنه شريط سينمائي وهو المتفرج، يمكنه أن يقيّم ما جرى معه من أحداث وأحاديث، هذا الحديث يكون دائما صريحا ومباشرا، ''وأنا نفسي من هؤلاء'' الذين يفعلون ذلك - تقول مواطنة - مضيفة: '' الحديث مع النفس له أهمية كبيرة، وهو ذو تأثير قوي وشديد لأن الفرد يتحدث مع نفسه في أمور قد يتعذر عليه البوح بها لغيره، ومن ثمة فهو يصارح نفسه، وقد يجد السكينة التي يسعى إليها، كما قد يجد في هذا الحديث حلا لجميع مشاكله لأن التعامل مع الآخرين أحيانا سبب للمزيد من المشاكل. وقالت أخرى إنها تعلمت من اللحظات التي تختلي فيها بنفسها وتحادثها أن تكون كتابا مفتوحا، بمعنى أن تكون صريحة جدا في تعاملها مع الناس، ولا تخاف بذلك الحديث في أي موضوع مع أي شخص كان. تقول:''لقد استفدت كثيرا من هذه الجلسات مع نفسي، أصبحت أعرف كيفية التعامل مع كل إنسان على حسب عقليته''. فيما قال شاب إنه بجلساته مع نفسه عرف نقاط ضعفه، فهو لا يدرك صياغة الحديث مع الآخر فعلم نفسه كيف يتحدث ويزن كلماته قبل بدء أي حوار أو محادثة. الحديث مع الذات هو فكر يتحول مع الأيام إلى فعل ومن ثم إلى عادة، إلى ان تصبح العادة طبعا هكذا اعترفت لنا مربية في روضة أطفال قائلة: ''أعتبر الحديث مع نفسي تفكيرا بصوت عال، وأجد متعة في ذلك بالرغم من أن هذا السلوك يدفعني للانعزالية أكثر، ولكني أراها فرصة للتعبير عن مكنونات لا يمكنني الإفصاح عنها للآخرين خاصة في الوسط العائلي، إذ هناك مواضيع كثيرة في مجتمعنا تصنف ضمن ''الطابوهات'' لذلك أحاور نفسي بشأنها أو عن تصرفات وسلوكات غير مبررة للناس ولا يسعني تغييرها''. في سياق متصل تعترف موظفة من اتصالات الجزائر فتقول إنها تصارح نفسها بأمور شخصية لا يمكنها البوح بها أبدا''، وكذلك تقول زميلة لها إنها تخصص كل ليلة وقتا طويلا لتقييم ما قامت به من أعمال في يومها أو حتى لمعاتبة نفسها على مواقف اتخذتها أو تصرفات تصرفتها ما كان عليها لتقوم بها، أو حتى طرح أسئلة والإجابة عنها إذا كانت لديها مقابلات مع أناس في اليوم الموالي.. وهكذا تحدث نفسها عن أمور كثيرة وترسم أهدافا وتناقشها مع نفسها. قد يكون الحديث سلبيا أو إيجابيا إذا تحدثت مع نفسك فتأكد أنك تتحدث إلى إنسان يفهمك، وهذا هو أحد أنجح طرق علاج التوتر. فإذا اكتشفت أنك تتحدث إلى نفسك بما يقابلك من مشاكل، أو ما يدور في رأسك من الوساوس فلا تنزعج، لأن الحديث إلى النفس يكون عندئذ وسيلة لتحديد الأفكار ومحاولة للوصول إلى علاج للمشاكل التي تقلقك، هذا آخر ما توصل إليه أطباء علم النفس والخبراء المشتغلون بالطب النفسي وأساتذة الطب السلوكي، مشيرين إلى أن العقل الباطن هو المسيطر على الفكر والتصرفات والسلوك، لذلك يجب أن تكون هناك رغبة في التغيير إلى الأفضل للحديث مع الذات، لأن هذا الحديث هو المبرمج للعقل الباطن وبالتالي يبرمج التصرفات والنفسيات في الحاضر، ويمتد إلى المستقبل ويتحول الإنسان إلى إيجابي بدون أي عناء. في سياق متصل تتحدث ل''المساء'' أخصائية علم النفس العيادي السيدة ''نصيرة خروف'' مقسمة حديث الفرد إلى نفسه إلى حديث سلبي وآخر إيجابي، فالحديث السلبي هو التفكير والتحدث عن أشياء جميلة وأحلام كانت في الماضي وحالت الظروف دون تنفيذها، ويسعى المرء إلى كبتها لذلك يصبح هذا النوع من الحديث إحساسا قويا بالسلبية، وقد يصاب المرء بالحيرة وقد تؤدي إلى الاكتئاب، علما أن أغلب الحالات المرضية التي تطلب الاستشارة النفسية سببها الاكتئاب. أما الشق الثاني من الحديث فيصنف في خانة الحديث الايجابي، وهو الحديث الذي يركز فيه الفرد عن النقاط السلبية محاولا تطويرها وتجاوزها للأفضل دون الإحساس بالذنب، لذلك فإن الأفضل أن يتحول الحديث مع الذات إلى حديث الإيجابي الذي يتبع أسلوب شكوى الهم أو الفضفضة والابتعاد عن الكبت-.