سلّطت رئيسة مؤسسة"محمد ديب"، الباحثة صبيحة بن منصور الضوء في هذا الحوار الذي جمعها مع "الفجر"، مؤخراً بمدينة تلمسان، على جديد الطبعة الرابعة من جائزة محمد ديب للرواية، كما استرجعت المتحدثة معنا بعضا ممّا تحفظه من ذكريات جمعتها بالأديب الراحل محمد ديب الذي كانت على تواصل دائم معه.. ما هي خصوصيات الطبعة الجديدة لجائزة الرواية "محمد ديب"، التي تشرفون عليها للموسم الرابع خاصة وأنها تتزامن مع احتفاء تلمسان بعاصمة الثقافة الإسلامية؟ خصوصية الطبعة تكمن في كونها تنظم في إطار تلمسان الثقافة الإسلامية 2011، لهذا سيكون لنا مشاركات قيّمة في عديد الملتقيات والمحاضرات التي ستقام في هذه المناسبة. أما بخصوص الجائزة فقد عمدنا هذه السنة إلى توسيع مجال المشاركة لكل المبدعين الجزائريين الذين يكتبون باللغة الفرنسية، العربية والأمازيغية، وهو ما لم يكن يتوفر في الطبعات السابقة من هذه الجائزة التي ترعاها مؤسسة "الدار الكبيرة"، وهذا من أجل تأكيد رمزية محمد ديب الذي يجسد تعدد زوايا الثقافة الوطنية وأبعادها المتوسطية والإفريقية والعربية واللغات الأخرى، للتعرف على خطى محمد ديب. وقد وعدتنا وزارة الثقافة برعاية الجائزة، حيث وصلتنا حوالي 30 مخطوط بالفرنسية ونصوص أقل باللغة العربية وأقل بكثير فيما يخص النصوص المكتوبة باللهجة الأمازيغية، ربما لم يتم الترويج الجيد للجائزة وإلاّ لكنا قد استقبلنا نصوصا كثيرة، بالإضافة إلى القانون الداخلي للمسابقة إذا وجدت لجنة التحكيم التي تترأسها الناقدة نجاة خدة أن النصوص المشاركة لا تتوافر فيها العناصر الفنية والتقنية والقيّمة الأدبية، لهذا فقد تم رفض عدّة أعمال بالإضافة إلى كوننا سنقوم بحجب الجائزة إذا لم تراع في النصوص المقدمة على لجنة التحكيم المعايير المناسبة للعمل الروائي. ومتى سيتم الإعلان عن الفائز بالجائزة وتوزيعها؟ سيتم ذلك على هامش الملتقى الذي ستنظمه مؤسسة "الدار الكبير"، في إطار برنامج تلمسان عاصمة للثقافة الاسلامية، في ال14 من شهر ماي الداخل، حيث سيتم تنظيم مائدة مستديرة تتناول أعمال الراحل محمد ديب، والملتقى سيوسم ب"ديب وفلسطين". وأذكر هنا أن الباحثين والنقاد الذين سيشاركون في أشغال هذا الملتقى سيسلطون الضوء على نصه الموسوم ب"فجر إسماعيل" على شكل تركيب شعري بصري. وللمسابقة هذه خصوصية، فقد انطلقت سنة 2001 وهي تأتي لتدعم كافة المواهب والمبدعين الجزائريين الذين يكتبون الرواية التي تصب في مواصلة فهمه وطرح أسئلة الروائي محمد ديب، وقد تم ذلك بموافقة الراحل محمد ديب وتضم لجنة تحكيم دولية تشكّل كل سنة. لماذا اخترتم مؤسسة "الدار الكبيرة" بدل مؤسسة "محمد ديب"، للإشراف على نشاطات تتعلق بهذا الروائي الكبير؟ في الحقيقة اسم المؤسسة يحمل رمزية ودلالة، فلقد كانت رواية "الدار الكبيرة" لمحمد ديب أول رواية عُرف بها في الأوساط الأدبية حينها، واختيارنا هذه التسمية نابع من عرفاننا برحلته الإبداعية وقبل الراحل محمد ديب أن يترأس هذه المؤسسة شرفيا، وقمنا بتنظيم جملة من النشاطات تصب أغلبها في أعمال الراحل محمد ديب، خاصة وأن هذه الأعمال في الغالب هي أعمال ليست معروفة لدى الجميع ولم تنشر كاملة وبالتالي عملنا يهدف في الأساس إلى التعريف بهذا الإرث. ما هي خصوصيات الكتابة الروائية لدى محمد ديب في رأيك؟ على مدار 50 سنة من المسار الأدبي، كتب محمد ديب ما يزيد عن 40 نصا تراوح بين الرواية والقصة وحافظ على وتيرة عامين بين كل عمل وآخر، ولم يسقط في فخ الكتابة المتكررة بل امتازت نصوصه بالتنوع والثراء، وقد تميزت أعماله الروائية الأولى بالواقعية ومحاكاة الواقع الجزائري تحت ظل الاستعمار الفرنسي وكان حينها في حالة اكتشاف للذّات وحقيقة العالم، فطالما طرحت شخوصه الروائية الأسئلة. ولكنه وفي أعماله الأخيرة، اتجه لتوسيع دائرة نصوصه نحو كل مستويات القرّاء وبدأت رحلة ديب من عالم الفن التشكيلي لينقطع عنها بسبب ارتفاع تكلفتها، كما توجّه نحو الشعر ويمكن أن تتخيل أعماله على شكل فسيفساء، لهذا فأنا أعتقد أن لأعماله الأدبية التي تركها لنا تحمل خصوصية لا نجدها عند نظرائه الروائيين الآخرين ولن تكون. أين وصلتم في محاولاتكم لبعث مؤلفه الأخير "تلمسان..أمكنة الكتابة" إلى المكتبات؟ حقيقة لا يزال هذا المشروع حبيس الأدراج، لأن أصل العمل في البداية جاء بمبادرة من فرع المركز الثقافي الفرنسي بتلمسان لجمع الصور الخاصة بأماكن ومواقع تاريخية وأثرية لمدينة تلمسان، من إنجاز المصور الفرنسي فيليب بورداس، حيث ترافق هذه الصور بنصوص، حسب ما اتفق عليه المصور مع محمد ديب قبل توجهه نحو تلمسان، وكشف له أنه خلال مرحلة طفولته أخذ مجموعة من الصور في حدود 1946، وعرضها عليه وطلب منه أن يعود إلى الأمكنة التي في الصور وطلب منه مواصلة العمل الذي بدأه. وفي بداية ال 90 زار المصور بورداس فيليب تلمسان ورافقناه في جولته وأعدنا اكتشاف المواقع التي نعرف بعضها ونجهل بعضها الآخر بعد اندثاره وربما لا نعيرها اهتماما، لكن هذا المصور لم ينه عمله رغم أن نصوص ديب كانت بمثابة حج إلى الذّاكرة وعاد عبر الصور إلى أمكنة الكتابة الأولى ومدينته التي أثثت كل نصوصه، لكن العمل لم ينته منه بعد ونحن نجهل لحدّ الآن متى سيتسنى للقارئ الاطلاع على هذا العمل الذي يعد آخر ما يصدر للراحل محمد ديب. ربطتك صداقة قوية بالأديب الراحل محمد ديب، كما كان لك عدّة زيارات له قبل رحيله، بمَ تحتفظ ذاكرتك الآن من تلك اللقاءات؟ آخر لقاء جمعني بالراحل، كان في جانفي 2003 بإحدى المدن الباريسية، ولكنه كان لقاءً مختلفا عن باقي اللقاءات التي جمعتني به، فقد كان في كل لقاء يحرص على أن يستقبلني فور وصولي إلى باريس، وكان يحرص على ذلك، فأنا ومنذ سنة 1994 كنت أزوره رفقة زوجي مرتين في السنة، لكن اللقاء الأخير ذاك كان مغايراً فقد كان أغلب نقاشه حول أحوال مدينته تلمسان وأحوال الوطن وكان يتابع كل التفاصيل الخاصة بالجزائر التي كانت تعيش فترة صعبة بإمعان كبير ويقظة وفضولية ولم ينقطع أبدا عن الجزائر، وكان كلما تنتهي الزيارة يرافقني من جديد نحو محطة القطار. وما أثر في هو بقاؤه حتى يذهب القطار، حيث كان يتابعني ويلوّح لي بيديه بكل حنان وارتباط بكل ما له علاقة بالوطن الذي كان يحنّ إليه كثيراً في أيامه الأخيرة. ..ولكن ماذا عن الرسالة التي تركها وقيل بأنه أوصى بأن لا يدفن في الجزائر، أليس هذا دليل على أنه لم يكن يتعلق بالوطن لهذه الدرجة التي تتحدثين عنها؟ هذا كلام لا أساس له من الصحة، وأنا أتحدى أي شخص يدّعي بأن محمد ديب ترك وصية أو رسالة يطلب فيها بعدم دفنه في الجزائر..أنا لحدّ الساعة لم أشاهد بأم عيني هذه الرسالة المزعومة التي تتحدث عن وصيته بعدم دفنه بالجزائر.. وقد حضرت شخصيا خلال مراسيم دفنه وقد حملتني حينها السلطات العليا بالجزائر دعوة إلى عائلة الفقيد محمد ديب مفادها عدم دفنه بالجزائر، لكن العائلة التزمت بوصية الراحل كما يدّعون، وشخصيا أرى أنه من الظلم أن تتحدث بعض الأطراف الخفية عن وصية مزعومة لمحمد ديب يوصي فيها بعدم دفنه في الجزائر.