جمال خالص استطاعت أن تجسده أنامل صانعة الفسيفساء الشابة الجزائرية نادية جنوحات، التي استطاعت أن تتعدى إعاقتها الجسدية على مستوى الأيدي لتقدم لوحات فنية من الفسيفساء مصنوعة بدقة متناهية، أبدعت في تقديمها لتنبئ عن صبر كبير وإبداع كامن ينتظر مؤشر الانطلاق، حول هذا الفن العريق الذي تمارسه نادية تحدثت إلينا وأفصحت عن طموحاتها الإبداعية وأمور أخرى. تعتبر الفسيفساء إحدى الفنون الجماليّة الرفيعة التي اشتهرت في العالم الإسلامي، وهي الفن الذي يهتم بتفاصيل الأشياء والخوض في أعماقها، حيث يتم جمع مكعبات صغيرة ملونة من الرخام، والزجاج، والقرميد المزجّج أو المصدف لتقدم لوحات بديعة لتكون في نهاية المطاف مشهدا تاريخيا أو طبيعيا أو أشكالا لحيوانات ذات قوة. حول الأشكال واللوحات التي تصنعها قالت جنوحات ''أنا أعمل مع فريق متكامل وكل واحد منا يباشر عملية صنع قطعته، فقد سبق لي عمل فسيفساء النافورة، الآيات القرآنية،السلالم، الديكورات الخاصة بالصالونات، والحمام، والمشاهد الطبيعية، والنخل والبحر وقد شاركت مؤخرا في تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة العربية من خلال غلاف العمود الرائع للمحكمة العليا بتلمسان، إلى جانب المشاركة في فسيفساء المساجد عبر مختلف ولايات الوطن. عن هذه الحرفة تقول نادية ''لدي سبع سنوات في هذا العمل الذي اكتشفت ميلي له في سن مبكر عندما حضرت أول عرض للصناعة الفسيفساء السورية، خاصة أنني عاشقة للرسم والتصميم الذي بدأته منذ سنوات خلت، حيث شجعتني شقيقتي ياسمين على المزج بين الفنين كوني موهوبة في الرسم، وأتمتع بالصبر الكبير والرغبة في تقديم عمل نظيف''. وعن كيفية تحضير اللوحة، والمواد الأولية المستعملة قالت محدتثنا ''هذه المهنة تحتاج للكثير من الدقة، ففي البداية يستوجب تحضير التصميم الورقي للرسم المراد تحضيره، الماء، آلة قطع الرخام ثم توضع حبات الفسيفساء الصغيرة جدا من مادة الرخام والمحضرة آنفا لتبدأ عملية تشكيل الرسم، حيث يتم تثبيتها بالأيايدي بالجبس أو بمواد لاصقة جنباً إلى جنب، وغالبا ما نعمل بالغراء الخاص وترصف هذه القطع على طبقة من الجص المعالج بمواد خاصة وتثبت بجانب بعضها البعض بشكل لا يتزعزع، وفي نظام دقيق جدا لأن أي خطإ في توزيع القطع لا يعطي الشكل المطلوب، وبما أني تمرست في هذه الحرفة فقد أصبح الشكل المطلوب مرسوما في ذاكرتي''. وأضافت نادية قائلة ''هناك أمر جد هام، وهو أن الشخص الذي انطلق في رسم الفسيفساء هو وحده الذي يمكنه إكمالها، وقد اكتشفت أيضا أن الرخام أشكال وألوان فسبحان الذي أبدعه، وقد نشأت علاقة وطيدة بيني وبين حبات الفسيفساء''. وعن طموحاتها قالت ''أتمنى أن تكون لدي ورشتي الخاصة لأعمل بها وأكوّن أشخاصا آخرين في هذا المجال، فأنا أحتفظ بالكثير لمهنتي هذه، لدي طاقة إبداعية عالية أتمنى تحريرها في أشكال وألوان تحمل بصمتي الخاصة، من جهة أخرى أزف سلامي لكل من ساعدني في هذه المهنة، على غرار الأخ سيف الدين الخليفة وكل زملائي العمال الجزائريين.