أي لعبة تريد فرنسا أداءها في منطقة الشرق الأوسط على خلفية تحركاتها المكثفة في المدة الأخيرة من أجل عقد ندوة دولية للمانحين للدولة الفلسطينية التي ستجعل منها مناسبة لعقد مؤتمر دولي للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.فلا يفوت وزير الخارجية الفرنسي الجديد ألان جوبي أية مناسبة إلا وأكد على هذا المسعى الذي يثير الكثير من التساؤلات من حيث دواعيه وتوقيته وأهداف باريس منه. هي أسئلة وأخرى تطرح نفسها بإلحاح خاصة إذا علمنا أن السلطات الفرنسية سبق وان فشلت في تمرير هذه الفكرة شهر جوان الماضي وأجلتها إلى الشهر الجاري دون أن تلقى الإجماع المرجو حولها وهي تطرحها الآن إلى شهر سبتمبر القادم في إصرار يدفع إلى الاعتقاد أن لفرنسا حسابات ومكاسب تبرر مدى تمسكها بمسعاها. وإذا أخذنا بعين الاعتبار هذه التأجيلات التي عرفتها الفكرة الفرنسية ندرك أن باريس وجدت صعوبات في إقناع أطراف اللعبة السياسية في الشرق الأوسط بتحركها ولكنها مازالت تفعل ذلك ربما بقناعة أن ''السامط يغلب القبيح'' كما يقول المثل الشعبي. والمؤكد أن فرنسا من خلال هذا الإلحاح تريد إيجاد موطئ قدم لها في المنطقة العربية التي احتكرتها الولاياتالمتحدة لنفسها وهي لا تريد من يخلط عليها حساباتها في منطقة تدرجها ضمن نطاق أمنها القومي وهي لأجل ذلك تنظر إلى كل تحرك من قوى أخرى على انه تهديد لمصالحها في هذا المجال الحيوي. ولكن باريس تصر على مواصلة تحركها سواء على مستوى اللجنة الرباعية أو أشغال الجمعية العامة الأممية شهر سبتمبر القادم وهو ما جعل وزير الخارجية الفرنسي يؤكد انه سيستغل اجتماع الرباعية الاثنين القادم من اجل الدعوة إلى ندوة للمانحين يحولها إلى مؤتمر للسلام بمناسبة انعقاد الجمعية العامة الأممية. ولكننا إذا نظرنا إلى هذا التحرك من وجهة نظر مغايرة يمكن القول أنها ربما تكون التفافا على المساعي الفلسطينية الرامية إلى طرح فكرة الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة عبر الأممالمتحدة بمناسبة عقد الأممالمتحدة لاجتماعها السنوي. وهو ما يجعل كل تحرك فرنسي لعقد مؤتمر للسلام ينظر إليه بصورة تلقائية على انه تحرك الغاية منه تقويض التحرك الفلسطيني وربما ذلك هو الذي يفسر عدم تحمس باريس للزيارة التي قام بها الرئيس عباس مؤخرا إلى فرنسا في محاولة منه لكسب دعم دولي لفكرة الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة عبر الأممالمتحدة. وإذا تأكد مثل هذا الطرح فإن ذلك يعني أن باريس إنما استأثرت لنفسها بدور خدمة الموقف الأمريكي والإسرائيلي الرافض لكل تحرك فلسطيني يتم خارج الأطر التي حددتها واشنطن لإنهاء النزاع في منطقة الشرق الأوسط. وهي مقاربة غير مستبعدة خاصة إذا علمنا أن ألان جوبي عندما كشف عن تحركه في هذا الاتجاه أمام لجنة الشؤون الخارجية للجمعية الوطنية الفرنسية اعترف علنا أن نداءه مرشح لأن يفشل مرة أخرى بسبب رفض الأطراف ذات الصلة. ويكون بذلك قد فتح على مسعاه سيلا من الأسئلة وأهمها لماذا هذا التحرك مادام انه مقتنع بأن مآله الفشل؟ ولن تكون الإجابة سوى أن باريس ومن ظاهر تحركها خدمة مصلحة فرنسا في المنطقة فإنها في الواقع إنما تسير في سياق خدمة التوجهات العامة للمواقف الإسرائيلية الرافضة لأي مسعى فلسطيني للاعتراف بالدولة الفلسطينية عبر بوابة الأممالمتحدة وهو الخيار الذي انتهجه الفلسطينيون بعد أن اقتنعوا أن اتباع طريق مسار السلام وفق الوصفة الأمريكية سيكون من نتيجته ضياع أدنى الحقوق الفلسطينية. وهي مقاربة غير مستبعدة خاصة وان ألان جوبي عندما راح يعدد النقاط التي يجب أن ينتهجها مؤتمر السلام فإنه حرص على التركيز على امن إسرائيل ووقف ما اسماه بكل مظاهر الإرهاب في اشارة إلى المقاومة الفلسطينية وتجاهل متعمدا الإشارة الى مسألة الاستيطان التي تبقى اكبر عقبة حالت دون إتمام اول مفاوضات مباشرة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي منذ فشلها في الثاني أكتوبر من العام الماضي. والحقيقة أن الفلسطينيين لم ينتظروا اشارة أو موقفا فرنسيا من هذه القضية إذا علمنا أن حكومة الاحتلال أعطت أمس الضوء الأخضر لإقامة قرابة ألف وحدة استيطانية في القدسالشرقية لقتل الفكرة الفرنسية واجتماع اللجنة الرباعية ودعوات واشنطن للبدء في مفاوضات مباشرة. وهو الواقع الذي يجعل كل فكرة للسلام مستحيلة مادامت الأرض التي تدور حولها المفاوضات ابتلعتها إسرائيل ضمن مخططات مدروسة وتحاول القوى الكبرى إغماض عينها وكأن الأمر لا يعنيها ولكنها لا تتوانى في الضغط على الفلسطينيين الذين يبقون الحلقة الأضعف في صراع الهدف منهم ابتزازهم حتى يرضخوا حد الركوع.