أطلقت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، أمس، رصاصة الرحمة على العرض الفرنسي القاضي بعقد مؤتمر دولي للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين نهاية شهر جويلية المقبل في ردة فعل كانت منتظرة من قبل الإدارة الأمريكية التي نظرت منذ البداية بعين الريبة للمسعى الفرنسي.وفي لقائها، مساء أول أمس، مع نظيرها الفرنسي ألان جوبي بالعاصمة واشنطن، اعتبرت رئيسة الدبلوماسية الأمريكية أنه من السابق لأوانه طرح مثل هذه المبادرة بخصوص السلام في الشرق الأوسط بحجة أن الأمر يستدعي عملا تحضيريا هاما وقالت ''موقفنا الآن هو الانتظار لكي نرى''. وهو تصريح كاف ليقبر المقترح الفرنسي في مهده والذي كانت باريس تسعى من خلاله إلى إيجاد موضع قدم لها في تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في خصوصه والعربي الإسرائيلي في عمومه. وكشف التحفظ القوي الذي أبدته الولاياتالمتحدة على المقترح الفرنسي درجة الحساسية المفرطة التي تبديها واشنطن باتجاه أي طرف أو جهة تسعى من قريب أو من بعيد للاقتراب من ساحة لطالما اعتبرتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة مجالا حيويا للولايات المتحدة ولا يجوز لأي كان اقتحامها. ومن هذا المنظور يجب على باريس أن تدرك أنها أخطأت عندما أرادت اللعب بورقة هي من اختصاص واشنطن لا غيرها وخاصة عندما أعلنت أن مؤتمرها الذي تصبو لاحتضانه سيركز على بحث إقامة دولة فلسطين على حدود 1967 رغم أنها شددت على أنه لا يمكن القيام بأي شيء دون مشاركة أطراف وصفتها بالضرورية وعلى أرسها الولاياتالمتحدة. وليست هذه المرة الأولى التي تجهض فيها واشنطن محاولات من هذا القبيل فقد سبق وأفشلت المسعى الروسي لعقد مؤتمر مماثل العام الماضي وهي التي كانت قبل ثلاثة سنوات فقط أعدت العدة من أجل مؤتمر انابوليس. وهو المؤتمر الذي حاول من خلاله الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش إيهام العالم بجدية الولاياتالمتحدة في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ليتأكد فيما بعد أنه كان مجرد ذر للرماد في الأعين ولم تر دولة فلسطينية النور حتى في عهد خلفيته باراك أوباما الذي يسير على نفس خطى سابقه. والحقيقة أن الموقف الأمريكي له ما يفسره بالنظر إلى تأثير اللوبي اليهودي على البيت الأبيض والذي جعل العلاقة بين واشنطن وإسرائيل شبيهة بعلاقة الأب المغلوب على أمره بابنه المدلل، بحيث لا يستطيع الأول أن يقوم بأي عمل قد يثير غضب الثاني. وهو ما بدا جليا في ردة فعل حكومة الاحتلال التي ابتهجت للموقف الأمريكي الرافض للمقترح الفرنسي وتوقعت فشله وبالتالي طي صفحته نهائيا. وقال مسؤول إسرائيلي رفض الكشف عن هويته أن ''مصير هذه المبادرة أغلقته تصريحات وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون''. وأضاف ''في كل الأحوال فإن فكرة مؤتمر كهذا لا يمكن أن تتحقق دون الموافقة الأمريكية والدعم الكبير من إسرائيل اللذين تفتقر إليهما''. وأكثر من ذلك فقد أوضح هذا المسؤول ''أن إسرائيل التي كانت مترددة جدا في البداية حيال المبادرة الفرنسية لكنها لم تشأ إغلاق الباب ولكنها كانت ستبحث في مشاركتها في المؤتمر إن أعطتها واشنطن ضمانات''. ومن جانبه رحب داني يعلون نائب وزير الخارجية الإسرائيلي بالموقف الأمريكي. وأشار إلى ''تقارب الموقف الإسرائيلي مع تصريح كلينتون''. ويضع الموقف الأمريكي ومعه الإسرائيلي حلم الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة على المحك ويجعل من خطوتهم بالتوجه إلى الأممالمتحدة لافتكاك اعتراف دولي بهذه الدولة شهر سبتمبر المقبل أمام عقبات يصعب تليينها على الأقل في الوقت الحالي. وهو الأمر الذي جعل صائب عريقات عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية يؤكد خلال لقائه بوزيرة الخارجية الأمريكية، أمس، في واشنطن أن المصالحة الفلسطينية تعتبر بالنسبة للفلسطينيين ''أهم مصلحة استراتيجية في الوقت الحالي''. وقال عريقات إن النقطة الثانية تشمل السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل وأضاف أن نقاط البحث الأخرى تناولت شرح توجه السلطة الفلسطينية إلى الأممالمتحدة. وتوحي تصريحات المسؤول الفلسطيني في إعطاء الأولوية للمصالحة ووضع عملية السلام في الخانة الثانية قبل مسعى التوجه إلى الأممالمتحدة ضمن اهتمامات السلطة الفلسطينية بأن هذه الأخيرة قد استشعرت خطورة المواصلة في مواجهة سلسلة تبقى هي الحلقة الأضعف فيها بما سيدفعها ذلك بالتراجع حتى عن موقفها المبدئي في التوجه إلى الجمعية العامة الأممية شهر سبتمبر المقبل لإعلان قيام دولة فلسطين.