يتهافت الجزائريون مع كل إطلالة صيف على إحياء عادة ''السبالة'' أو ماء السبيل الذي يوضع على جوانب المنازل والمحلات وبجوار الأسواق والمساجد، حيث ما زال هذا العمل الخيري الذي تشتهر به مختلف دول العالم الإسلامي يستهوي العديد من المواطنين ممن ينشدون الصدقة الجارية.. وفي هذا الصدد وجهت ''المساء'' سؤالا لبعض المواطنين مفاده: هل تشرب من ماء السبيل؟ قديما كان ماء السبيل في بعض المناطق متوفرا من خلال صنابير على غرار ما كان الحال عليه في القصبة العتيقة، حيث كان يتم بناء أسبلة مزينة بزخرفة مميزة وفقا للطراز العربي باعتبار أن بناء الأسبلة ظاهرة تشتهر بها الحضارة الإسلامية.. أما الآن، فقد اختفت الصنابير في عدة أماكن، إلاّ أن كثيرين ما يزالون متمسكين بعادة إرواء العطشى من خلال توفير براميل صغيرة بها حنفيات خارج منازلهم وبجوار الأماكن التي يمر فيها الناس عادة مثل المساجد والأسواق كأقصر طريق للحصول على أجر صدقة جارية. وتعكس الأسبلة صفات التكافل، الكرم والحرص على فعل الخير التي دعا إليها الدين الإسلامي، فهي خدمة إنسانية على قارعة الطريق لمختلف فئات المجتمع لا تستطيع شراء مياه شرب بشكل دائم وتضطرها الظروف للخروج للعمل في الجو الحار أو لقضاء حاجات معينة. وفي السنوات الأخيرة، اختفت الأسبلة في معظم شوارع العاصمة، وكذا ''القربة'' الجلدية التي كان يعرضها بعض المواطنين أمام المستشفيات خدمة للناس في سنوات الستينيات والسبعينيات.. فالآن قد حلت محلها دلاء بلاستيكية مغطاة ب''الخيشة''.. معرضة للشمس ويتصل بكل واحدة منها دلو كوب حديدي واحد يتداول المارة على استعماله، فيما يعرض بعض عامة الناس وحتى بعض المؤسسات العمومية على غرار المحاكم مبردات ماء كهربائية تضمن للشاربين مياها منعشة.. لكن مع تداول نفس الكوب البلاستيكي...ويظهر المشهد العام أن الكثير من عامة الناس يقبلون على ماء السبيل. وبدا من خلال استطلاع آراء بعض المواطنين أنهم يتجنبون استعمالها رغم شدة العطش من منطلق أنهم غير واثقين في مدى حرص أصحابها على تنظيف تلك الدلاء لتوفير مياه نقية للناس، والحرص على سلامتهم لأن إهمال النظافة يتسبب في حوادث تضر الناس. إن هذه الدلاء قد تمر عليها الأيام من دون تنظيفها، فتتحوّل مع الوقت من صدقة جارية إلى أمراض سارية، ويصبح من يشرب منها عرضة للإصابة بالكثير من الأمراض الخطيرة بسبب تداول كوب واحد معرض للغبار والأدخنة. يقول السيد ''سفيان'' الذي أشار ل''المساء'' إلى أنه يقدر كثيرا مبادرة توفير ماء السبيل في الطرق بوصفها التفاتة يشكر عليها المحسنون ممن يتبرعون بالماء للعطشى، مبرزاً أنه لم يشرب منها قط كونه يعافها سيما وأن بعض المواطنين لا يتقيّدون بشروط الصحة الفموية، كما أنها مقصد العديد من المتشردين، مما يرشح انتشار خطر الإصابة بأمراض خطيرة... واستطرد أنه يفضل إعادة بناء الأسبلة التي اختفت منذ فترة على أن يلتزم المواطنون بعدم شرب الماء من الصنبور عبر أفواههم مباشرة. السيدة ''سامية'' (عاملة) تعزف هي الأخرى عن شرب ماء السبيل رغم اعترافها بأنها تقدم خدمة كبيرة للعمال والأشخاص المتسوقين.. تتابع: ''صحيح لا يمكن أن أشرب ماء لا أعرف مصدره الفعلي أو مستوى نظافته وتعقيمه لأني أخاف الإصابة بالأمراض المتنقلة عن طريق المياه سيما وأن الدلاء البلاستيكية التي توفر ماء السبيل معرضة على الدوام للشمس التي تغير طعم الماء.. ''. وتضيف ''فضلا عن عدم نظافة أكواب المياه التي تكون معرضة لجميع العوامل الخارجية من غبار وأدخنة السيارات''. كما عبرت الآنسة ''سهيلة'' خريجة كلية اللغات والترجمة عن رفضها لإرواء العطش بماء السبيل، وعن السبب أوضحت: ''العديد من الناس يتداولون على استخدام كوب واحد، ويبدو الأمر عاديا بالنسبة للجميع، غير أني لا أتقبل ذلك.'' وترى بدورها السيدة ''زينة'' أن مبادرة توفير ماء السبيل بالرغم من المعاني النبيلة التي تحملها بين طياتها، والتي تندرج في إطار ثقافة خدمة الغير، لكن الحذر يبقى واجب.. وذكرت المتحدثة ل ''المساء'' إلى أنها تحرص على اصطحاب قارورة ماء يوميا إلى العمل لتجنب ماء السبيل الذي تبقى نظافته غير مضمونة. ومن جانب آخر، عبّر مواطن آخر عن عدم رضاه عن مبردات الماء الكهربائية أيضا، والتي لا تتوفر فيها أكواب للشرب، مما ينذر بخطر على مستخدميها نظرا لكون البعض يدمنون على التبغ أو مصابين ببعض الأمراض المعدية، فرغم أن هذه المبردات تضمن ماء نظيفا ومنعشا يوفر الجهد والمال، إلاّ أنها تبقى وسيلة غير آمنة طالما أنه لا يمكن لصاحبها تكبد مصاريف توفير مجموعة كبيرة من الأكواب البلاستيكية يوميا. وأشار العديد من محدثينا إلى أنهم لا يرحبون بفكرة ''السبالة'' لكن في حال استمرارها يجب على الأقل أن يحرص أصحاب المشاريع على تغيير وتنظيف الماء وعلى المواطنين التزام شروط النظافة وعدم الشرب من المياه المعروضة في حال إصابتهم ببعض أمراض الفم أو الأمراض المعدية حتى لا يتحوّل الأمر من خدمة للناس إلى الإضرار بهم. ويبدو أن السيد ''عمر'' المواطن الوحيد من ضمن الذين استطلعت ''المساء'' آراءهم الذي يشدّه الحنين إلى تلك الصنابير التي كانت منتشرة في القصبة.. وردا عن السؤال هل تشرب من الدلاء البلاستيكية التي حلت محل تلك الصنابير قال: ''أجل، لديّ ثقة كاملة لأن صاحبها يعتني بلاشك بنظافتها طالما أنه إنسان حريص على التطوع لخدمة الغير''. لاشك أن ماء السبيل بشتى طرقه له أجر كل كبد رطبة شربت منه كما قال نبينا الحبيب.. لكن عدم ضمان نظافته وتعذر توفير الأكواب للجميع مقابل انتشار الوعي حول الأمراض المعدية لدى عدة فئات من المجتمع، يبدو أنه أدى إلى ابتعاد العديد من الناس عن شربه خاصة أن قوارير المياه المعدنية متوفرة بكثرة عند البقال والمساحات التجارية الكبرى بأسعار في المتناول... ولعلّ أن هذه المعطيات قد تهدّد بزوال ظاهرة ''السبالة'' مستقبلا-.