تحتل عاشوراء المناسبة الدينية المميزة لدى عامة المسلمين مكانة خاصة لدى الجزائريين حيث يستغلونها في الصيام والتقرب لله بتطهير الأموال بالزكاة، وبشتى العادات والطقوس الاجتماعية الأخرى التي تتمحور حول صلة الرحم والتجمع حول مائدة الإفطار الخاصة كبيرا وصغيرا إحياء لذكرى نجاة سيدنا موسى من بطش فرعون..عادات تتنوع في شكلها من منطقة إلى أخرى لكنها موحدة في مضمونها تعكس أصالة المواطن الجزائري الذي يقدس كل المناسبات الدينية ولا يفوتها. اكتظت الأسواق على آخرها عشية الاحتفال بعاشوراء، حيث لاحظنا حركة غير عادية لأرباب الأسر الذين يسعون لإعداد وجبة مميزة تليق بهذه المناسبة الدينية، خاصة إذا كان أفراد صائمون، فرحة لا يفسدها في الغالب سوى جشع التجار الذين لا يتورعون في أية مناسبة على إشعال النار في الأسعار دون مراعاة ظروف المواطن البسيط الذي تفسد عليه الأسعار كل الأفراح فلا يفتأ يفكر في غير القفة ومعاناة ملأها. رغم أن كل المواطنين يعلمون علم اليقين بأن عاشوراء مناسبة رحمة وتزكية للأموال وتطهير عن طريق الزكاة المفروضة على المقتدرين،بل أنها من أهم المناسبات التي يجب ألا يفتقر فيها أحد. وتؤكد الحاجة الزهراء أن عاشوراء مناسبة يستغني فيها الفقير فيشتري ويتلقى ما يشتهي من مأكل وملبس وأقمشة لأن التجار كلهم ملزمين بالزكاة من تجارتهم، فهي كانت ولازالت عيد للفقير، فيما يضيف نور الدين الذي التقينا به في سوق سعيد تواتي بالساعات الثلاث أن الفقير ينتعش في عاشوراء ففيها التفاتة الأغنياء والمقتدرين نحوالفقراء والمحتاجين، مضيفا أن الصيام في يومي التاسع والعاشر من محرم بات سنة لدى معظم الجزائريين الذين كانوا في السابق يكتفون بصيام يوم واحد فقط هوعاشوراء، لكنهم اليوم وتيمنا بقول سيد الخلق عليه الصلاة والسلام أنه لوكان عاش لعام آخر لكان صام يومين متتاليين مخالفة لليهود بات الجزائريون يصومون يومين، وحتى الشباب والصغار منهم لا يتخلفون عن هذه السنة الحميدة التي لها كبير الأثر في نفس كل مسلم. أما بسوق ''ميسوني'' بالعاصمة فالتقينا بأحد التجار المختص ببيع المعجنات البيتيه، اقتربنا منه بصعوبة بسبب الاكتظاظ الكبير الذي يلف طاولته التي تتوسط السوق، فلمحنا إقبالا كبيرا على شراء ''الرشتة و'' الشخشوخة'' و''التريدة'' أوحتى ''الكسكسى'' فقال لنا : '' أغلب الزبائن متعودون على منتجات بيتي التي تحضرها زوجتي وابنتي بمهارة كبيرة، بشهادة الجميع وفي مثل هذه المناسبات غالبا ما نعمل تحت الطلب ورغم ذلك لا نوفي كل الطلبات، والحقيقة أن الجزائريين لديهم تفضيل للعجائن في شتى المناسبات وذلك من صميم عاداتنا وطقوس احتفالنا التي لا ننساها'' وحتى لوأهملناها في سائر الأيام تذكرنا بها المناسبات الدينية على غرار محرم، عاشوراء والمولد النبوي الشريف. وكان الحاج الزوبير محقا بالفعل فيما قاله، إذ وبعد أن نفذت الشخشوخة والرشتة والتريدة، بات الإقبال على '' البغرير'' و'' المسمن'' والإسفنج حتى نفذت السلع في وقت قياسي.جعلنا ندرك أن العجائن البيتيه سلع لا تبور بالسوق الجزائرية، لا أنها تفتح بيوتا وتعيل أسرا بأكملها. وفي الأخير أفادنا الشيخ الزبير بأن'' الخليع '' ما زال عادة لا ينساها العاصميين في عاشوراء وهوسر إقبالهم على شراء ''البركوكس'' أوالعيش كما يطلق عليه في بعض المناطق. وهومن نوعين،خليع اللحم وهوالذي يحضر به طبق '' البركوكس'' دون إضافة الملح لأنه مملح جدا، وأيضا '' خليع الشحم'' والذي تصنع منه الكسرة ويحشى بها وتتكون من طبقتين، ويفضلها البعض ساخنة أيام البرد.وهي من العادات العاصمية، لكنها منتشرة في أغلب مناطق الوطن، حيث تحتفظ ربات البيوت بجزء من أضحية العيد إلى يوم عاشوراء. '' طقوس تختلف باختلاف مناطق الوطن'' تتميز الاحتفالات بعاشوراء في الغرب الجزائري بتحضير الأطعمة في أجواء عائلية، وتتشكل تلك الأطباق من بقايا لحوم الأضاحي التي تم تجفيفها وتصبيرها خصيصا لهذه المناسبة، وكذا صناعة الحلويات والمأكولات الشعبية منها على سبيل المثال ''التريدة'' و''السفنج'' التي يتمّ إعدادها باللحم وأحيانا بالدجاج، إضافة إلى أطباق لا تقلّ رواجا ك''الرشتة''، ''الشخشوخة''، ''الكسكسي'' و''شوربة الفريك''، مع الإقبال على صيام هذا اليوم والذي قبله أوبعده عملا بسنة المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم من جهتهم، لازال سكان منطقة بني ميزاب يتمسكون ضمن التراث اللامادي والعادات العريقة بتكريس تقليد إحياء عيد عاشوراء، حيث تجري العادة بتحضير طبق ''إيباون'' وهوكلمة أمازيغية تعني ''الفول الجاف'' كرمز لتمتين أواصر الأخوة والتآزر بين أبناء المجتمع، ويتم تحضير طبق الفول يتّم يوما قبل عاشوراء بطبخه في الماء وإضافة الملح وزيت الزيتون له، قبل تقديمه صباح اليوم الأول من عاشوراء للأهل والجيران على أيدي الأطفال الذين يستغلون المناسبة لترديد جماعة بعض الأغاني الخاصة بالمناسبة في طريقهم لإيصال أواني الفول إلى الجيران كما يتم أيضا خلال هذا اليوم تقديم علب خليط من الحلويات وبعض الفواكه الجافة كالفول السوداني واللوز للأطفال تيمنا بقداسة المناسبات الدينية إلى جانب تزيين أعين هؤلاء الصبية بمادة الكحل ذات الفوائد المتعددة للعين، ويعد حلول عاشوراء بالأغواط مناسبة لاستعادة كثير من الطقوس المندثرة ورجوعا بالذاكرة الاجتماعية إلى العادات والتقاليد التي تعد همزة وصل بين الأجيال في الحفاظ على الموروث الثقافي والديني. ففي هذه المناسبة وعلاوة عن ما هومتعارف عليه في باقي ولايات الوطن من إحياء لشعائر السنة النبوية كالصوم والصدقة، لا زال سكان منطقة الأغواط يحيونها بطريقتهم الخاصة غير أن هذه الطريقة تختلف من سكان البدوإلى المدينة. كما دأبت العائلات السطايفية على إحياء هذا اليوم بتحضير مختلف الأطباق الشعبية ومن بين العادات التي لازالت تحرص عليها اليوم والتي توارثتها أب عن جد، حرص ربة البيت على أن تكون مائدتها ليلة عاشوراء مزينة بأطباق مختلف الأكلات التقليدية على غرار '' الكسكس ''البربوشة''، الشخشوخة والرشتة'' وغيرها من الأطباق الشعبية التي تحضرها إما باللحم الذي تكون قد وفرت القليل منه من عيد الأضحى، أوباللحوم البيضاء كالدجاج مثلا.كما أن الفتيات والشابات تكون لهن مشاركة في إحياء هذه الليلة المباركة، وذلك بقص القليل من شعرهن والتزين بوضع الحناء التي توحي بالبهجة والسرور. في حين يعتبر البعض وخاصة الرجال أن هذه العادات ما هي سوى بدع ما أنزل الله بها من سلطان. وأن الاكتفاء بصوم التاسوعاء والعاشوراء وإحيائها بتلاوة القرآن وقيام الليل هوأهم ركن في إحياء هذا اليوم المبارك.، كما أن شهر محرم واليوم العاشر منه يعتبر بمثابة فرصة للفرد لتطهير أمواله ونفسه وذلك بالزكاة من الأموال التي دار عليها الحول على الفقراء والمساكين وإدخال الفرح عليهم. أما في قسنطينة فالعادات راسخة ومائدة عاشوراء لا يعلوعليها وتتنوع بين ''التريدة'' والفتات'' وهي الشخشوخة بالعاصمة وباقي مناطق الوطن.وبإمكان المتجول في شوارع والأحياء العتيقة لمدينة قسنطينة ملاحظة تلك الحركة غير العادية أمام المحلات التجارية وعلى الأرصفة التي يتخذها الباعة المتجولون فضاء لعرض منتجاتهم وما ينجر عنه من ازدحام بفعل توافد النساء لاقتناء مختلف المواد والسلع، وتشتهر قسنطينة في هذه المناسبة بما يسمى ''القش قشة'' وهي عبارة عن كيس يوضع فيه مختلف أنواع المكسرات يثير ابتهاج الأطفال. ويحول هذا الإقبال الكبير للمواطنين مدينة قسنطينة إلى ساحة مهرجان شعبي ضخم وسوق كبير تطول أجنحته كل الشوارع، حيث تعرض البضائع النسوية والعقاقير ولوازم الزينة التقليدية من حناء وبخور، بينما يلّح الرجال على أنّ أفضل احتفال بعاشوراء يكمن في الصيام والقيام والابتهال بعيدا عن هذه الطقوس الدينية التي ما أنزل الله بها من سلطان.