الداخل إلى تلمسان عبر الطريق السيار شرق-غرب سيلحظ حتما أن المدينة تعيش على وقع حدث مميز، ورغم أن بعض البيوت غير منتهية البناء والملونة بلون أخضر لا يسر الناظرين تشوّه مدخلها، فإنها تظهر فاتحة أحضانها لزوراها من ولايات أخرى ومن بلدان أخرى، يأتونها تباعا لمشاركتها فرحة احتضانها لتظاهرة ''تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية''. بمجرد ولوج مدخل تلمسان تظهر اللافتات المعلنة عن الحدث التي تعيشه المدينة الواقعة في أقصى غرب الجزائر والذي يدوم إلى غاية ربيع العام القادم، تلمسان تعلن منذ البداية عن ''جديدها'' وترحب بضيوفها الذين يتعرفون شيئا فشيئا عن أولى مظاهر الحضارة التي عرفتها المنطقة منذ قرون، والتي تتجلى في بعض الآثار المترامية هنا وهناك، وكذا في طريقة تصميم العديد من بناياتها. والحقيقة أن تلمسان لا تبخل على من يزورها لأول مرة باستعراض جوانب من جمالها وخصوصيتها التي تجعلها مدينة جزائرية تشبه مدنا أخرى، لكن بنكهة مختلفة. ومن باب الحظ تزامنت زيارتنا لتلمسان مع انخفاض محسوس في درجات الحرارة بعد موجة حر شديدة، وهو ما مكننا من الاستمتاع بجولتنا الصيفية فيها تزامنا وتغطيتنا لبعض من الأنشطة الثقافية التي تنظم تحت غطاء ''تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية'' من طرف وزارة الثقافة. وهو ما جعلنا نجزم بأن صيف تلمسان هذا العام لم يكن أبدا مثل سابقيه، ولا نجد أحدا من سكان المدينة يمكنه أن يقول نقيض ذلك، والدليل الإقبال الكبير للعائلات التلمسانية على مختلف التظاهرات التي تشهدها هذه الأيام. ذلك ما عشناه ليلتي الأحد والإثنين بمناسبة تنظيم الطبعة السابعة للمهرجان الدولي للرقص الشعبي الذي شاركت فيه حوالي عشرين دولة. في الواقع تخيّلنا ونحن نتجه إلى ''الحوض الكبير'' وهي ساحة بوسط المدينة، أن الأخيرة نائمة، أو أن سكانها فضلوا تمضية بقية السهرة في هدوء بيوتهم، لكن كم كانت مفاجأتنا كبيرة ونحن نكتشف أن البيوت خالية على عروشها وأن التلمسانيين صغارا وكبارا، نساء ورجالا فضلوا الاتجاه إلى الساحة للاستمتاع بسهرة على وقع الرقصات الشعبية لبلدان عربية وأجنبية. تجاوب كبير لوحظ على الجمهور وهو يستقبل فرقة الرقص الشعبي المغربي بما قدمته من لوحات هي قريبة من أهل تلمسان نظرا للقرب الجغرافي والحضاري والثقافي، ويمكن القول إن راقصات الفرقة بالذات أججن مشاعر الجمهور الذي تجاوب كثيرا معهن. وبعيدا عن عالم الرقص، فإن ليالي صيف تلمسان تتعدى التظاهرات الثقافية إلى زيارة المناطق الساحلية، وذلك حتى لا ننسى بأن تلمسان هي ''ولاية سياحية'' بامتياز، بما تضمه من شواطئ وغابات خلابة. وإذا كان جزء من العائلات التلمسانية قد اختار سهرة ثقافية في ليلة صيف لم تكن حارة كثيرا، وهو ما زادها جمالا ورونقا، فإن عائلات أخرى فضلت الاستمتاع بأجمل المناظر بتوجهها إلى رمز من رموز السياحة بالولاية. وكانت تلك مفاجأتنا الثانية التي تؤكد كم هو خادع منظر وسط المدينة الخالي من أهله، ففي طريقنا إلى هضبة ''لالا ستي''، كان المنظر الوحيد الذي صادفنا هو السكون والمحلات المغلقة، لكن بمجرد أن وطأت أقدامنا مدخل الهضبة التي تطل على المدينة في منظر خلاب لاسيما ليلا، حتى اكتشفنا أن ''الجميع'' هنا. كان المكان يعج بزواره، في صورة قطعت سكون المدينة ''النائمة''. هنا كان المنظر الخلاب، والألعاب والموسيقى والمثلجات والشاي بالنعناع، هناك كذلك يوجد بائعو التحف والتذكارات البحرية الاصطناعية بأصوات ضفادعها، والمراجيح التي تجلب إليها الكبار كما الصغار، وطبعا مقام ''لالا ستي'' التي تلقي بظلالها على كل المدينة وكانها تباركها، دون أن ننسى فندق ''لارونيسونس'' الفخم الذي يحتل مساحة كبيرة من المكان ينتظر هو الأخر أن يفتح أبوابه لمن استطاع إليه سبيلا. هي إذا عينة من ليالي تلمسان الصيفية التي بات أبناؤها فخورين بمدينتهم وثقافتهم، وفاتحة أبوابها للزوار الذين يشاركونها أفراح التظاهرات الثقافية التي مازالت مستمرة.