بعد سباق التحضير لحلويات العيد والإستعداد له بشراء الملابس، سباق آخر تستعد له العائلات الجزائرية في مراطون الدخول المدرسي، رامية بها في حيرة أمام عائق المصاريف والتكاليف المتزايدة، ما ينجم عنه ضغوطات ليست مادية فحسب، بل نفسية ومعنوية كذلك. وتعود بداية هذه الضغوطات مع حلول رمضان وعيد الفطر في الإجازة الصيفية التي شكلت عبئا ماديا إضافيا على جيوب العائلات الجزائرية، خاصة تلك العائدة من الإجازات الصيفية منهكة ماديا، لتتفاجأ بمصاريف الشهر الكريم في أول الأمر، لا عند الاصطدام بارتفاع أسعار اللحوم والخضر في الأسواق بل وعند الفرصة التي تغتنمها والتي لا تعوض في إعادة شراء كل مستلزمات المطبخ والمائدة الرمضانية، كذلك لأن كل الأواني باتت قديمة وعمرها الافتراضي قد انتهى ليُستلزم تغييرها، إضافة إلى فرصة طلاء جدران المنازل التي غالبا ما تكلف مصاريف باهظة في حال تكليف شخص بهذه المهمة، لتكون تلك هي المصاريف الأولى التي تستنزف جيوب العائلات الجزائرية وتستمر مع ظهور وتنوع الأطباق على المائدة حتى تسر الناظرين وبطونهم على وجه الخصوص، ليتغير السلوك الغذائي للمواطنين وتعرف الأسواق حركة دؤوبة وتزداد معدلات الشراء عندهم وتبلغ أوجها طوال أيام الشهر الفضيل. ولتكون الأيام الأخيرة منه سباقا من نوع آخر، سباق إعداد الحلويات الذي تشارك فيه ربات البيوت ليس بأياديهن فحسب بل وبجيوب أزواجهن كذلك، لما تتطلبه من لوازم رغم التدابير التي تتخذها بعض النساء في تقليص المصاريف، كاكتفائها بنوع واحد فقط، وتزامن هذا السباق مع مراطون شراء ملابس العيد الذي تحرص فيه العائلات على عدم حرمان أولادها من هذا الحدث الذي ينتظره هؤلاء بفارغ الصبر، ولتتدبر الأغلبية منها أمورها بإيجاد حلول مناسبة لتجنب هذه الضائقة المادية باستغلال التخفيضات مع موسم الخريف والتي تعرضها المحلات التجارية، خاصة فيما يتعلق بملابس الكبار وهي خطة الآنسة ''بشرى'' التي اعتبرتها فرصة حتى لا تكون عبئا إضافيا على ميزانية عائلتها، ولتعتمد بعض العائلات على ''حيلة'' شراء الملابس -خاصة بالنسبة للصغار- شهرا أو شهرين قبل حلول الشهر الكريم، للتخلص من هذا الضغط وتقليص المصاريف بسبب الفرق الشاسع بين الأسعار في الفترة الرمضانية وباقي الأيام. وحتى لا تكون الملابس عائقا على الميزانية، فإن ملابس العيد أصبحت نفسها ملابس الدخول المدرسي، ليكتفي كل طفل بلباس واحد فقط، حيث يرى البعض أن الإنفاق في أكثر من لباس واحد لطفل واحد تبذير ومصاريف إضافية لا بد من الاستغناء عنها، وهو رأي السيدة ''حياة'' التي أقرت أنها لطالما اعتبرت ملابس العيد هي نفسها ملابس الدخول الاجتماعي، مضيفة أنها وبعد انقضاء هذه الأيام السارة قد قامت بالاحتفاظ بها مباشرة بعد انتهاء ابنها من التباهي بملابسه الجديدة. ليحين دور لوازم الدخول الاجتماعي من محافظ ومآزر وأدوات مدرسية، والتي اختار أغلب من تحدثنا إليهم الاكتفاء بشراء المآزر -والمحافظ بالنسبة للبعض- وهو حال السيدة ''ليلى'' التي جاء على لسانها أنها تمنح الأولوية لشراء المآزر خاصة وأنها لا تكتفي بواحد فقط بل بإثنين لكل من أطفالها الأربعة، حيث كان لها أن تنجز هذه العملية في نفس يوم شرائها لملابس العيد، فمحلات بيع اللوازم المدرسية -كما جاء في أقوالها- أصبحت تنافس المحلات الخاصة ببيع الملابس. وهو الحال بالنسبة للسيدة '' نادية'' التي أول ما بدأت به هو شراء المآزر، تخوفا من الطلب الذي سيعرف تزايدا كبيرا خلال الأسبوع الذي يسبق الدخول الاجتماعي، مضيفة أنها ستترك شراء اللوازم الأخرى إلى اليوم الذي سيوافق هذه السنة الحادي عشر من سبتمبر، في انتظار تلك القوائم التي قالت عنها أنها تتطلب راتبا كاملا. ليكون سبب السيدة''نجاة'' في شراء المآزر والمحافظ مسبقا تحسبا لضيق الوقت بعد فترة العيد، فالزيارات لن تقتصر في هذه الأيام فحسب بل ستدوم على مدى الأسبوع الذي يليه. ومع الضغوطات المادية التي تنتج عنها ضغوطات معنوية، خاصة مع التفكير في كيفية التوفيق بين مصاريف العيد والدخول المدرسي والرغبة في إرضاء أذواق الجميع والتخوف من عدم كفاية الميزانية، لتنجم عنها ضغوطات أخرى معنوية وجسدية متعلقة بالتعب، والأرق الذي أصبح البعض يشعر به ويعاني منه بعد التعود على وتيرة شهر رمضان الذي يستهله البعض في النوم والخمول صباحا، والسهر ليلا إلى ساعات متأخرة، لينقلب الليل نهارا بالنسبة لهؤلاء المتعودين على هذا النمط، إلى درجة تمني إجازة للاستراحة بعد رمضان والعيد ومن هذا الانقلاب الذي طرأ على لياليهم، حيث كان رجاء الشاب ''خالد'' الذي اعترف لنا عن حاجته ولو لأسبوع للاستفاقة، '' كما أن الأسبوع الذي يسبق العيد ستستهله العائلات في تكملة عملية تبادل الزيارات، وهو الحال بالنسبة للسيدة ''كريمة'' التي عبرت لنا عن تخوفها من التعب الذي سينتابها هي وعائلتها والذي سيضاف إلى تعب تلك الاستعدادات التي تسبق العيد، متسائلة عن الحالة التي سيكون عليها الأطفال لدى عودتهم إلى مقاعد الدراسة وعن تعودهم السهر والنوم حتى ساعات متأخرة. إلا أن هذه المصاريف وتزامن المناسبات أصبح أمرا معتادا عليه، وهي أقوال السيد ''زكرياء'' الذي أضاف أن تواريخ المناسبات معروفة مسبقا، متسائلا ''لماذا تتكرر نفس الأخطاء ونفس الشكاوي كل سنة لدى الأغلبية؟ ولما الوقوع تحت رحمة هذه الضغوطات في كل مرة؟ واتباع المثل الشعبي الذي يقول ''كل نهار وبركته'' مادامت هناك طرق لتنظيم عمليات الإنفاق في هذه السباقات التي تستنزف الجيوب وتؤرق النفوس.