أنهى الرئيس الفلسطيني محمود عباس حالة الشك بخصوص حقيقة تحركه باتجاه الأممالمتحدة من أجل الحصول على عضوية دائمة لدولة فلسطين المستقلة في الهيئة الأممية، كاسرا بذلك حاجز الخوف من ضغوطات أمريكية لا متناهية.ولكنه بقدر ما قطع الشك باليقين في هذه القضية الحساسة فإنه فتح من جهة أخرى الباب واسعا أمام تساؤل جوهري.. وماذا بعد؟ ورغم أن الرئيس الفلسطيني ألقى بالكرة في معسكر المجموعة الدولية وبشكل مباشر على مجلس الأمن واللجنة الرباعية إلا أنه في واقع الحال غادر مقر الأممالمتحدة وهو غير متأكد من حظوظ نجاح تحركه وسط مواقف أمريكية إسرائيلية لم تشأ الخروج عن نمطيتها الرافضة لكل حل يخرج عن دائرة تصورهما لمستقبل الدولة الفلسطينية ولخارطة كل منطقة الشرق الأوسط. وهي الحقيقة التي وقف عليها الرئيس الفلسطيني وهو يستمع إلى الوزير الأول الإسرائيلي بنيامين نتانياهو والرئيس الأمريكي باراك اوباما أمام المشاركين في الجمعية السنوية للمنتظم الأممي عندما عارضا الفكرة الفلسطينية واعتبراها تحركا أحاديا مرفوضا مادام تم خارج إرادتهما وفتح الباب أمام إشراك أطراف أخرى كانت واشنطن تصر على رفض تمكينها من لعب أي دور في مسار السلام حتى وإن وصل إلى طريق مسدود. ويبدو أن المخاوف الأمريكية والإسرائيلية تأكدت عندما وجدت أطراف اللجنة الرباعية نفسها مجبرة على اتخاذ موقف وعدم البقاء في موقع غير المكترث بعد المبررات التي قدمها الرئيس الفلسطيني الذي انتقد بطريقة مباشرة ترك الفلسطينيين لوحدهم بين أيدي الولاياتالمتحدة وإسرائيل رغم أن مسعى السلام تعهدت أطراف دولية فاعلة على ضمان نجاحه. ولم تتأخر اللجنة الرباعية في استصدار مبادرة جديدة مباشرة بعد تسلم الأمين العام الأممي بان كي مون الطلب الفلسطيني في محاولة لحفظ ماء الوجه ومحاولة من أطرافها لإخراج عملية السلام من حالة الانسداد التي أوجدتها فيها السياسات الإسرائيلية المدعومة من طرف مواقف أمريكية بلغت حد التواطؤ. وتضمنت مبادرة اللجنة الرباعية أساسا فكرة لاستئناف مفاوضات السلام وحددت نهاية العام القادم كأجل للتوصل إلى اتفاق سلام نهائي تحسم من خلاله القضايا الخلافية وقضايا الوضع النهائي في محاولة ترمي إلى وضع حد لحالة التسويف التي انتهجتها حكومات الاحتلال لربح مزيد من الوقت وعدم الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة بحدود دولية قائمة. ويبدو أن الولاياتالمتحدة عندما قبلت بالمبادرة الرباعية إنما وجدت فيها الخلاص من حالة انسداد قائمة وازدادت قناعتها أن مواصلة السير في نفس ما تمليه السياسة الإسرائيلية سيؤدي في النهاية إلى عواقب أكثر تعقيدا. وما إقدام الرئيس الفلسطيني على التوجه إلى الأممالمتحدة إلا بداية لمتاعب أكبر قد تجعل النزاع يفلت من بين أيديها وخاصة في ظل الأوضاع العربية والحراك الشعبي الذي تعرفه مختلف المجتمعات العربية والذي لا يستبعد أن ينتقل بسرعة البرق إلى داخل المجتمع الفلسطيني. وهي القناعة ربما التي جعلت مسؤولا أمريكيا لم يشأ الكشف عن هويته يؤكد أنه حان الوقت للنظر باتجاه المستقبل ويتعين أخذ طلب الرئيس عباس محل جد وبما يستدعي طرح أفكار جديدة وتقديم إجابات لأن المهم أن نشرع في المفاوضات''. وأكدت أطراف اللجنة الرباعية المتكونة بالإضافة إلى الولاياتالمتحدة وروسيا من الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي على عقد أول جلسة خلال شهر من الآن يطرح فيها الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي مقترحاتهما لخطة التفاوض التي تبدأ بعد ثلاثة أشهر ويتم فيها بحث مسائل الحدود والأمن. ويبدو أن الرباعية لم تشأ إحراج إسرائيل عندما تجنبت الإشارة إلى مسائل الاستيطان رغم انه رهن كل فرصة لتحقيق السلام ولا حتى ماهية الدولة الإسرائيلية التي تريد أن تفرضها إسرائيل وتضغط على الفلسطينيين للاعتراف على أنها دولة يهودية حتى تمهد لأكبر عملية تطهير عرقي وديني في تاريخ الإنسانية. ورغم ذلك فإن مثل هذا التملق لم يرق لإرضاء إسرائيل التي سارعت إلى رفض مبادرة اللجنة الرباعية وأكدت أنها ليست مقدسة في إشارة واضحة إلى رفض مسبق لدور الرباعية في مسار سلام كان وبقي حكرا على إرادة إسرائيل والولاياتالمتحدة. وقبل الفلسطينيون بمبادرة الرباعية رغم أن خطوطها العريضة لم تتضح بعد ولا حتى حظوظ نجاحها إلا أنهم اعتبروها فرصة مواتية وطالبوا إسرائيل بعدم تفويتها. ويؤشر استصدار اللجنة الرباعية لمبادرتها عشية اجتماع أعضاء مجلس الأمن الدولي يوم غد لبحث ومناقشة الطلب الفلسطيني بالانضمام إلى الأممالمتحدة أن هذه الهيئة الأممية سترفض المسعى الفلسطيني تحت غطاء التمكين لمبادرة اللجنة الرباعية والتأكد من حظوظ نجاحها وربما لإقناع الإسرائيليين بقبول الجلوس إلى الطاولة وبأجل الإعلان عن الدولة الفلسطينية المستقلة.