عيد الأضحى من المناسبات التي تتزين فيها المائدة بالأطباق التقليدية المزدانة بقطع اللحم، فبالنسبة للعديد من العائلات الجزائرية، غالباً ما يكون الاستمتاع بهذه الأطعمة ذات النكهة الأصيلة أسلوبا لإبقاء التقاليد حية تتجدد باستمرار.. لكن ماذا عندما يقرر أحد أفراد الأسرة العزوف عن المشاركة في تناول لحم الكبش؟ لأنه بكل بساطة نباتي أويفضل اللحوم البيضاء أوالسمك. تتمحور الاجتماعات العائلية غالبا حول الطعام، ذلك أن المناسبات والأعياد تلم الشمل فيجتمع أفراد الأسرة حول ''المشوي'' و''المقلي'' المحضر خصيصاً لعيد الأضحى، أوحول بعض الأكلات التقليدية على غرار ''الدوارة''،''المثوم''، ''شطيطحة لحم'' وطبعا سيدهم طبق ''الكسكسي'' بالمرق الأحمر.. وعن تلك النشوة المغمسة بلذة لحم العيد كان الحديث مع عدد من المواطنين. ''من منا لا يحب تناول شرائح اللحم''؟.. بهذا التساؤل، استهل حديثه السيد ''مراد'' (موظف في مؤسسة عمومية) ''أحب كل ما في الكبش بدءا باللحم والشحم، مرورا بالعظام وانتهاء بالأمعاء.. ومع كل تلك اللذة التي أشعر بها وأنا أتناول أجزاء من الأضحية، تحوم حولي نقاط التعجب عندما أتذكر قريبتي التي تكره اللحوم الحمراء، فهي تَسعد كثيرا عندما تَحُول الإمكانيات المالية دون تمكن والدها من شراء كبش العيد، حيث تصبح الأضحية دجاجة تٌطبخ في الفرن. ويضيف: ''هؤلاء الذين يخصمون اللحوم الحمراء من نظامهم الغذائي يشكلون حالات شاذة في نظري، طالما أن الأغلبية لا يتورعون عن تناول لحم الكبش الذي اختاره المولى ليكون فداء لروح سيدنا إسماعيل عليه السلام''. وتعبر السيدة ''مريم'' (أم لطفل) عن رأيها في الموضوع قائلة: ''أحب اللحم في هذا اليوم الخاص، لاسيما الكبد الذي يعد العضو المفضل لدي.. ومهما عوضه البعض من النباتيين، وغيرهم ممن لا يحبون تناول اللحوم الحمراء، فإنّهم برأيي لا يمكن أن يجدوا أكلة بديلة تعوّض لذة لحم الكبش''. كثيرون يشدهم الحنين إلى الماضي، وبالضبط إلى تلك اللحظات التي تحضر فيها الأكلات التقليدية التي ألفوها منذ نعومة أظافرهم، وكبروا وهم يستمتعون بتناولها، خلافا لفئة النباتيين أوأولئك الذين لا يحبون تناول اللحوم الحمراء.. وفي هذا الشأن أبدا السيد ''موسى.ل'' رأيه مستغرباً عزوف البعض عن تناول لحم الضأن، فكل شيء لذيذ ويغازل المعدة، وخاصة الضلوع المشوية، يقول المتحدث. وفي المقابل، يعلن البعض الآخر مقاطعته للحم الأضحية في العيد، وله في ذلك حجج خاصة يبرر بها موقفه، فمن خلال الحديث مع البعض اتفقوا على أن هذه المناسبة والأيام التي تليها تولد لديهم نفورا من المنزل، نظرا لرائحة اللحم التي لا تفارق المطبخ، وحسب الشهادات التي جمعتها ''المساء''، فإنّ هذا الشعور لا ينتاب النباتيين الذين يحول نمط حياتهم الغذائي دون استخدام أي منتج يتم الحصول عليه من الحيوانات فحسب، إنما ينطبق أيضا على البعض من آكلي اللحوم الحمراء أوالبيضاء على الأقل''. بهذا الخصوص، تشير الآنسة ''سلوى'' إلى أن عدم تناولها للحوم الحمراء، يسبب لها حيرة خلال أيام العيد، لأنه عليها أن تفكر: ما الذي يمكن تناوله من طعام؟.. وما السبيل للتخلص من رائحة اللحم التي تٌعبق أركان المطبخ؟ وتردف أن والدها حاول مرارا أن ينصحها بأن تتغلب على هذه النزوة لتعود طبيعية كباقي خلق الله، لكنها لم تتمكن يوما من الشعور بالمتعة التي يشعر بها غيرها لدى تناولهم للحوم الحمراء. وتصف شعورها ل ''المساء'': ''حين تجمعني جلسات مع أفراد عائلتي أحس بأني مختلفة الأسلوب، كوني لا أتذوق كل الأطعمة التي تٌطبخ في هذه المناسبة، إلا أني في نفس الوقت أتعجب من ولوعهم بتناول اللحم''. وتتابع حديثها بابتسامة: ''والدي يتعاطف معي في هذه المناسبة، فيشتري لي دجاجة، إلا أن أشقائي يلتهمون تقريبا كل الدجاجة ولا يتركون لي سوى قطعة صغيرة! ثم تسارع فتعترف: ''الدجاج لذيذ الطعم جداً، وحين أتذوقه لا أفتقد اللحم أبدا''. أما ''ريمة'' (شابة تعمل)، فليست نباتية غير أنه يمكن وصفها بأنها ''شبه نباتية'' في العيد. وتكشف في هذا الصدد: ''رغم أني من آكلي اللحوم الحمراء، إلا أن الإستثناء يحدث في العيد..رائحة اللحم تنفرني على خلاف أفراد العائلة، خاصة وأنني أشارك في تنظيف أحشاء الأضحية فأعاف أعضاءها، إذ اكتفي بتناول البطاطا المقلية مع تذوق القليل من الكبد''. فرغم تعجب الكثيرين، إلا أن إرادة البعض في استبعاد اللحوم الحمراء من قاموس حياتهم يبقى قويا، مما يزيد في عزمهم على المضي، فيما يعتقدون أنه أسلوب حياة قويم، لاسيما وأن اللحوم الحمراء تهدد برفع نسبة الكوليسترول في الدم. وفي نهاية المطاف، فإنّ مدار الأمر ليس على ما هو مسكوب في الطبق من طعام بل هو ما يتعلق اِلتفاف أفراد العائلة حول المائدة في أجواء تشع حبا، حتى وإن اختلفت طبيعة الأطباق التي يرغب كل فرد في تناولها. والجدير بالذكر أن لكل شيء في الطبيعة نظام كما أراده الخالق عز وجل، فالحوم الحمراء وظيفتها الحيوية في الجسم، خاصة أن تناولها غير متاح على مدار السنة لذوي الدخل الضعيف، فالعيد فرصة لمساعدة الجسم على البناء الطبيعي والفعال طبعا دون الإكثار، لأن الشيء إذا زاد عن حده انقلب لضده.