تقع على الأم مسؤولية الحفاظ على صحة أسرتها من الأمراض المتربصة بأفرادها، سواء أكانت تلك الأمراض معدية أو غير معدية. وتزداد تلك المسؤولية حدة إذا تقاطعت رغبة الأم في سلامة أسرتها مع مغريات العصر الحديث من أغذية معلبة وأطعمة جاهزة ومشروبات غازية.. هي في الغالب محببة كثيرا للأفراد، ولكنها بالمقابل تحمل معها أخطارا صحية حقيقية، قد يعلمها البعض وقد يتجاهلها، ولكننا هنا نطرح سؤالا على ربات الأسر حول مدى سعيهن للإبتعاد بأسرهن عن التغذية غير الصحية، وبالتالي إبعاد شبح الإصابة بالسكري. على هامش الحملة التحسيسية المتواصلة فعالياتها بالساحة الكبيرة بباب السبت بالبليدة حول تغيير داء السكري، كان ل''المساء'' لقاء مع عدد من ربات الأسر، وتحدثت إليهن حول مدى وعيهن بالمسؤولية الملقاة على عاتقهن لحماية أفراد أسرهن مما يسمى ''بعبع الأسرة'': السكري. كانت الإجابات متفاوتة ومختلفة، ولكنها في الحقيقة تنم عن مدى وعي الأمهات، مهما تفاوتت مرحلتهن العمرية، بخطر داء السكري والأهم بخطر المأكولات الجاهزة.
''غَلْبُونا وْلادنا..'' أول محدثات ''المساء'' كانت السيدة شايب نعيمة 56 سنة، أم لثلاث أبناء تجاوزوا كلهم عتبة العشرين سنة. قالت: ''أهم مسؤولية تقع على عاتق الأم هي تربية أولادها على الريجيم الصحي''، وتقصد به الغذاء الصحيح، تقول: ''ليس في أسرتي فرد مصاب بالسكري، ولكن كثرة الحديث عن هذا المرض في السنوات الأخيرة جعلتني أعيد حساباتي خاصة في طريقة إعداد الطعام. أنا بطبيعتي لا أحب إكثار ''ليدام'' (أي الدهون) في الطعام، لأني أخاف زيادة الوزن، فالبدانة تعني ضريبة صحية مضاعفة.. ولكني أعترف أن أبنائي يعشقون الأكل السريع، حتى أن أكبر أبنائي وهو في ال27 سنة، إذا لم تعجبه الوجبة المحضرة من الخضار، يقصد محلات الأكل الجاهز لتناول البيتزا أو الساندويتشات، وهذا الأمر يتعبني ولكنه لا يستمع للنصائح''. وتقول مرافقتها السيدة فتيحة (56 سنة) أنها عبثا تحاول التنويع في المائدة التي تحرص على موازنتها بين الغلوسيدات والبروتينات والألياف، فأولادها يتأففون من كل ذلك ويطلبون البطاطا المقلية التي يضيفون إليها المايونيز، تقول: ''أحس بقلبي يتمزق عندما أضع طبق البطاطا المقلية بالمايونيز على مائدة الغذاء..إنه المرض مع سبق الإصرار، ولكني أضعف أمام رغبة أولادي.. حين يبقوا دون أكل''. أما السيدة خميس ربيحة (62 سنة)، فإنها مصابة بالسكري في فئته الثانية، تقول إنه على الأم أن ''تأخذ الحيطة في طبخها، أي أن تعلم ماذا تختار من غذاء لزوجها وأولادها، أن تنتهج الطريقة الصحيحة في إعداد الأكل، فالخضار المحضرة بالبخار أحسن من المسلوقة، كما أن اللحوم البيضاء أحسن من الحمراء.. واختيار معدلات مقبولة من الدهون، واستبدال المشروبات الغازية بالعصائر الطبيعية وغيرها. ولكني أعترف بأنني لا أنجح في تحقيق الموازنة مع أسرتي، لأن أولادي الذكور ضعفاء أمام مغريات الأكل السريع.. والأَمرُّ إطلاقا هي المشروبات الغازية التي يشربونها كل وقت.. لذلك فأنا أنصح ربات الأسر بالضغط على أولادهم منذ الصغر في مسألة الأكل الصحي الصحيح''. كذلك تعترف السيدة علي طالب فتيحة، أم لثلاث أولاد، بفشلها في تحقيق الموازنة الغذائية الصحيحة لأسرتها، فأولادها يقاطعون الأكل بالمنزل إذا اشتموا رائحة طاجين الخضار، حتى لو كان معدا بالدجاج أو اللحم، تقول: ''أولادي يتعبونني كثيرا في أكلهم، لا يملون من ''الكاشير'' والجبن والبطاطا المقلية بالبيض.. وعبثا أحاول إفهامهم بضرورة الإنتفاع بفيتامينات الخضر أو التقليل من الزيوت والأكل المعلّب.. لا بل يلقون باللّوم عليّ كوني أُحضّر الكرمب أو اللفت وكافة الخضار التي فيها الفائدة !!''. غير أن الصورة قد لا تكون قاتمة في كل الأحوال، فالسيدة سقاف فاطمة الزهراء، أم لخمسة أولاد تؤكد أنهم يسمعون نصائحها ولا يترددون أبدا على البيتزريات، ويقاطعون الساندويتشات مهما بدت مغرية، تقول: ''علّمت أولادي أهمية النظافة في كل شيء، لذلك فهم ينفرون من الجلوس بالمطاعم وتناول الأكل المحضر بها، كما أن مستواهم التعليمي يساعدني في مسألة تحضير مائدة متوازنة.. إلا أني أُلفت هنا إلى الإمكانيات المادية التي تلعب دورا في تنويع المائدة بين الخضار واللحوم والفواكه وغيرها. وأقترح تنظيم دورات إعلامية لربات الأسر لتعليمهن أساسيات الحياة الصحية الصحيحة، حفاظا على صحة الأجيال القادمة وبالتالي صحة المجتمع''.
الغذاء الصحي يعتمد على النوعية وليس الكمية تقترح الدكتورة ''قمان حميدة'' أخصائية الطب الداخلي بالمؤسسة الاستشفائية العمومية ترشين إبراهيم بالبليدة، أن تعتمد الأسرة الجزائرية المعاصرة نظام الأكل الذي كان متبعا من قبلُ، بمعنى اعتماد أكل البقوليات مثل العدس واللوبيا والعجائن وطواجن الخضر بمختلف أنواعها مع استعمال زيت الزيتون، وأكل اللحوم مرة واحدة في الأسبوع. تقول: ''أصبح الفرد اليوم يعتمد أكلا سريعا خاليا من العناصر الغذائية، مثل المقليات والمايونيز والكاتشاب التي تضاف للأكل السريع وهي أطعمة فيها طاقة كبيرة وبالمقابل لا يتحرك الفرد كثيرا، مما يؤدي به إلى السمنة، ولعلها أول خطوة للإصابة بمرض السكري''. وتضيف بالنفي أنه لا وجود لقواعد معينة يستوجب اتباعها: ''لا توجد قواعد أكل معينة وإنما على الفرد ألا يهمل فطور الصباح الذي يتمثل عادة في الحليب وقليل من الخبز مع الزبدة أو المعجون، ثم كوب ماء، هذه أبسط وجبة، لكنها صحيحة وصحية، تليها وجبتان أساسيتان متنوعة بين الطبق الرئيسي وطبق سلطة دون إضافات، ونقصد هنا المايونيز والخردل والكاتشاب، ثم تأتي الفاكهة. والمهم على الإطلاق، عدم الإكثار من الخبز. ونشير إلى أن المعدل الصحيح هو نصف خبزة للفرد في اليوم. كما أوصي بالإبتعاد نهائيا عن المشروبات الغازية وحتى العصائر، لأن فيها إضافات حمضية تعود بآثار سلبية على الصحة، والصحيح هو تناول حبة فاكهة''. من جهة أخرى، توصي الأخصائية الأمهات بضرورة تعليم أطفالهن الإبتعاد عن عادة الأكل بين الوجبات الرئيسية، فتقول: ''يجب على الأم أن تعلم أطفالها عادات الأكل الصحيح وضرورة التقيد بالوجبات الرئيسية الثلاث، مع الاقلاع عن عادة الأكل بين الوجبات خاصة أكل ''الشيبيس'' أو ساندويتشات الجبن. والأفضل أن تعلّم الأم طفلها تناول حبة فاكهة إذا أحس بالجوع، أحسن من تناول الحلويات والشكولاطة والشيبس وغيرها. وأؤكد كذلك على أهمية النشاط البدني في حياة الفرد، وقد لاحظت خلال هذه الأيام التحسيسية المقامة بمناسبة اليوم العالمي لداء السكري، أن عدد لا بأس به من تلاميذ الثانوية يُعْفَوْن من مادة الرياضة دون أسباب تمنعهم من ذلك، وهذا خطأ كبير تقع فيه الأسرة الجزائرية التي عليها توعية أفرادها بضرورة ممارسة الرياضة. وقديما، قيل: العقل السليم في الجسم السليم، كما أني أُلفت إلى قول الرسول عليه الصلاة والسلام: ''نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع''. بمعنى الأكل لحاجة الأكل بالفعل وبكميات معقولة، حتى لا يتحول الزائد منه إلى دهون وشحوم وبدانة تنجر عنها أمراض السكري والضغط والقلب وغيرها''.