قام الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أمس بزيارة مفاجئة إلى العاصمة الصومالية موقاديشو التقى خلالها بالوزير الأول الصومالي عبدي ويلي محمد علي الذي وعده بفتح مكتب للهيئة الأممية في هذا البلد الممزق بحرب أهلية منذ سنة .1991 وتعد هذه اول زيارة لأمين عام اممي إلى الصومال منذ اندلاع الحرب الأهلية مباشرة بعد الإطاحة برئيسه السابق محمد سياد بري وفتح الباب أمام صراع قادة الحرب الصوماليين بعد تجربة أمريكية مريرة أكدت عجز قوات المارينز في احتواء الأوضاع وإقامة نظام موال لها في منطقة القرن الإفريقي التي تبقى من أكثر مناطق العالم استقطابا للصراع والحسابات الجيو-استراتيجية خلال الحرب الباردة وما بعدها. وقام بان كي مون بهذه الزيارة ولم يكشف الكثير عن أهدافها سوى دعوته لحركة شباب المجاهدين إلى وضع السلاح ووقف العنف والدخول في مسار السياسي لإنهاء معضلة هذا ''البلد المنسي''. ورغم ذلك فإنها تبقى زيارة ''تاريخية'' على الأقل كونها تأتي في سياق بلغت فيه درجة التمزق وحجم الصراعات الحد الذي لم يعد يطاق وكرست القناعة أيضا بأن تسوية أوضاع هذا البلد ليست بالأمر الهين. ومن شاهد الأمين العام الاممي وهو ينزل من الطائرة الأممية على أرضية مطار موقاديشو بصدرية واقية وحراسة مشددة يدرك درجة اللاأمن الذي يعانيه هذا البلد ويتأكد أن استعادة الاستقرار المفقود ليس ليوم غد وليس مهمة الأممالمتحدة لوحدها على الأقل من منطلق أن الأزمة الصومالية وتداخلاتها الإقليمية والدولية تحتم الإسراع بإيجاد حل تشارك فيه كل القوى المعنية بمأساة شعب لم يعرف الاستقرار منذ أكثر من عقدين. وحتى نداء بان كي مون باتجاه حركة شباب المجاهدين الرافضة للحكومة الحالية والمناهضة لكل فكر غربي يبقى دون رجع الصدى من هذه الأخيرة التي تراهن على الإطاحة بنظام شيخ احمد شريف حليف الأمس عدو اليوم وإقامة إمارة إسلامية بمنطلقات فكرية شبيهة لتلك التي يحملها تنظيم القاعدة. وتكاد هذه الحركة تحقق هدفها المحوري بالإطاحة بالحكومة الصومالية الحالية رغم السند الذي تلقاه من طرف قوات الدعم الإفريقية ونجدة القوات الإثيوبية والكينية التي دخلت ساحة المواجهة ولكنها لم تتمكن جميعا من استعادة المبادرة الميدانية حتى في العاصمة موقاديشو رمز السلطة في هذا البلد. وهو ما يجعل الزيارة تدفع إلى التساؤل حول دواعيها وما إذا كان للأمم المتحدة خطة عملية لإنهاء حالة التمزق التي يعيشها أفقر بلدان العالم وأكثرها عدم استقرار بسبب الصراعات المسلحة بين مجموعات متناحرة والأكثر من ذلك هل تتوفر الأممالمتحدة على إرادة سياسية حقيقية من اجل إنهاء معضلة هذا البلد وما هي طبيعة هذه المساعدة وما إذا كانت ستكون عسكرية وهي التي غادرت هذا البلد في إطار مهمة سابقة وتركت المجال مفتوحا أمام التواجد الأمريكي الذي اقتنع هو الآخر بعدم جدوى احتلاله بعد أن تكبد خسائر لم يسبق أن واجهها من مليشيات مسلحة أشبه بالشبح يضرب عناصرها دون أن يتركوا أثرا لهم. وقد اكتفى الأمين العام الاممي بالقول أن الهيئة الأممية التي تركت البلد وحيدا في مواجهة مصيره ستساعد على إحلال السلام بدعم قوة ''الاميصوم'' التابعة للاتحاد الإفريقي والحكومة الصومالية. وهي أسئلة وأخرى تطرح من منطلق أن الدور الاممي اقتصر طيلة هذه السنوات سوى على إرسال مساعدات إنسانية لملايين الصوماليين الذين يتهددهم الموت بسبب المجاعة المستفحلة منذ عقود تلقى عليهم جوا لاستحالة إيصالها عبر الطرق المتعارف عليها برا أو بحرا أو عبر جسور إغاثة جوية. فهل ستتمكن الآن من حسم الوضع ميدانيا؟