تثار نقاشات طويلة في الولاياتالمتحدة والعالم الغربي عامة، حول موضوع ''الملكية الفكرية''، وطرق صيانة حقوقها، خاصة في ظلّ الثورة المعلوماتية وما جلبته شبكة الأنترنت من تغيّر عميق على صعيد نشر الثقافة ومختلف منتجاتها المكتوبة والمسموعة والمرئية، ولا شكّ أنّ الأستاذ جازون مازون، الأخصائي بالقانون الدستوري والتاريخ وحقّ الملكية الفكرية هو من بين الأكثر شهرة في هذا الميدان على صعيد الولاياتالمتحدة، وعلى الصعيد العالمي أيضا، وقد قدمّ مؤخّرا كتابا عن المسائل المتعلّقة بالملكية الفكرية وأشكال الاعتداء عليها وخرق القوانين المتعلّقة بها. الكتاب يحمل عنوان ''تقليد الأصل وتجاوزات أخرى لقانون الملكية الفكرية''، والمسألة الأولى التي يؤكّد عليها مؤلّف الكتاب هو أنّ اللجوء إلى مختلف أشكال عدم احترام الملكية الفكرية موجود في كلّ مكان، هذا ما نجده حيال إعادة طبع أعمال شكسبير، وأيضا حيال المدوّنات والنوتات الموسيقية لمؤلّفات بيتهوفن مثلما هو حيال البطاقات البريدية التي تحمل رسوماً للوحات كبار الفنانين، بل ويشير المؤلف إلى وجود طبعات منسوخة دون رأي السلطات المعنية للدستور الأميركي نفسه. ونتيجة لمثل هذه الممارسات المعممة للغش في مختلف المجالات هناك اليوم آلاف القضايا التي تنظر فيها المحاكم بالولاياتالمتحدة الأميركية والعالم في مجال الملكية الفكرية، وخاصة اللجوء إلى إعادة إنتاج أعمال أو سلع أو غيرها دون إذن مالكها الذي سجّلها قانونياً لدى الجهات المختصة، وعلى صعيد الواقع العملي هناك اليوم الملايين من السلع التي يعاد إنتاجها بكميات هائلة مع أن حقوق ملكيتها محفوظة قانونياً، يقول المؤلف إن أغلبية الأمريكيين يلجأون إلى عمليات تحميل الموسيقى والأفلام وغيرها بصورة غير مشروعة والأمر نفسه بالنسبة لأنظمة البرامج المسروقة. ولا يتردّد المؤلّف في القول إنّه يتمّ في أحيان كثيرة استخدام تعابير من نوع حقوق الملكية الفكرية محفوظة، هذا من قبل ناشرين وغيرهم، لكن بالنسبة ل''منتجات'' غير خاصة للملكية الفكرية، فمثلاً أعمال شكسبير التي سقطت حقوق ملكيتها بالتقادم الزمني، وتتمّ الإشارة في هذا السياق إلى عدد من المطالبات غير القانونية بحقوق الملكية الفكرية. إنّ قانون الملكية الفكرية، كما يصفه المؤلف، يعطي بعض الحقوق الخاصة لأولئك الذين يبدعون في مجال ما، ولكنّه يحمي أيضاً مصالح الجمهور في الوصول إلى المعلومات واستخدامها، التوازن بين ما هو خاص وما هو عام، يجعل حقوق الملكية محدودة، ويؤكّد المؤلّف أنّ المبدعين المعنيين، والذين يجسّدون الابداعات إلى منتجات متداولة، عندما يتجاوزون الحدود التي عيّنها القانون يعرّضون التوازن للاهتزاز، هذا فضلاً عن أنهم يحاولون فرض أعباء اقتصادية على أشخاص آخرين. يتم في هذا السياق شرح ما يسمّيه المؤلف ب''الاستخدام العادل'' الذي يحدّده قانون حماية الملكية الفكرية والذي يسمح ببعض أشكال استخدام الأعمال المحمية بالقانون، دون طلب السماح من قبل مالكي الحقوق المحفوظة، لكن المشكلة هي أنّ هؤلاء المالكين لا يعترفون عامة بمثل هذا الاستخدام العادل ويعتبرون أنّ كلّ استخدام لما تغطيه حقوقهم ينبغي أن يخضع لإذن المسبق وبالتالي دفع ثمن ذلك. وعلى صعيد ما ينبغي عمله للحدّ من إساءات استخدام حقوق الملكية الفكرية يتمّ تأكيد ثلاث مسائل أساسية، الأولى هي أنّ هناك طيفا كبيرا لإساءة استخدام الحقوق المعنية، الأمر الذي له آثاره على التوازن بين الحقوق الخاصة والحقوق العامة، والثانية هي أنّ المبدعين والذين يجسّدون ابداعاتهم إلى سلع متداولة يسيؤون استخدام حقوق الملكية الفردية، والثالثة التأكيد على وجود عدة علاجات عملية لمكافحة الممارسات المخلّة، حيث أن بعضها يتطلّب تغيراً جوهرياً في القوانين النافذة بهذا الميدان، والفكرة الرئيسية النهائية التي يؤكّد عليها المؤلّف هي ضرورة الوصول إلى توازن جيد بين الحقوق الخاصة والحقوق الخاصة في عصر المعلوماتية، ذلك من أجل خير المستهلك والمبدع.