قديمة جدا هي الحكاية، وكل التهم داخلها لن تحظى بالإعتراف، كيف يعترف الجاني على نفسه.. ويدمر نفسه واسمه؟ كيف يعترف ضد وجوده، ما دام التوقيع في كتاب ما أو مقال ما هوية موازية للهوية المادية وربما أكثر أهمية، لأنها الهوية التي نطمح أن نكونها في الأدب.. ينفلت الأمر في كل مرة، قد تنزل التبريرات والحجج من سماء عالية، شيطان الإبداع مباح، قد ينزل أحيانا تناصا.. أحيانا توارد أفكار، مرات تقمصا.. وفي الغالب تخاطر أرواح. في الفكر، يتجمع الأمر ويصير دائما سرقة جهد وتعب السنين. حفناوي بعلي المتهم.. والنقد الثقافي الضحية عاد الحديث، هذه الأيام، عن السرقات الفكرية من خلال المصري عبد الله السمطي الذي اتهم الباحث الجزائري حفناوي بعلي بالسطو على مقاطع كاملة للغذامي في كتابه "مدخل غلى النقد الثقافي المقارن" الذي تحصل من خلاله على جائزة الشيخ زايد للكتاب 2010.. طبعاً بعلي وبشدة يرد على تهم السمطي، لأن المسألة مسألة وجود، وأكاديمية وأكثر.. جائزة بمبلغ مهم. هذه القضية تجعلنا نفكر بصورة أكبر في معنى السرقات الفكرية، كظاهرة مستقلة بعيدا عن السرقات الأدبية التي حاول الكثيرين الإلمام بها وكشف أبعادها، رغم ما قد يحيط بها من تعقيد، لأن النص الأدبي يحمل من التماهي والهلامية ما قد لا تستطيع حتى السرقة على ضبطه. في الفكر الأمر أكثر مداراة، لأن هذا النوع من السرقات لا يحدث ضجة، عكس السرقات الأدبية، أحلام مستغانمي تعرضت لحكاية مماثلة وصارت حديث الصحافة. أما السرقات الفكرية فتظل في كثير الأحيان حبيسة قرارات لجان المجالس العلمية.. ولا يتعدى الأمر كونه فضيحة ضمن فضاء الحرم الجامعي.. لا تكتب عنها الصحافة ولا يسمع بها العوام. في الجزائر الحكاية تتكرر كل سنة، طبعا ليست تهمنا مذكرات تخرج الليسانس لأنها تقريبا copier- coller إلا من رحم ربك.. رسائل الماجستير والدكتوراه تعرف جيدا هذا السلخ الذي يحتاج عيونا عمياء حتى تتغاضى عليه. ربما ليست تعنينا البحوث الجامعية في شيء.. والجامعة لا تعكس حاجاتنا، ولا ترضي آفاقنا، أحيانا أتصور أن المسروق ليس ثمينا وإنما هي سرقات بالية لا طائل منها غير جوع المناصب والترقيات الإدارية.. لماذا إذن نتعب أنفسنا برفقة حكايات الجامعة وشكاوي الأساتذة. لا أحد يفكر حتى يسرق المشروع الفكري قبل النص الفكري هو نتاج حلقة مستمرة من العناء، من القراءات والملاحظات، والمناهج والتحليلات، هو حركة متواصلة من التجربة التجريدية التي تقام على التأمل والاستقراء والإستنباط، هي كثافة معنوية تلخصها الفقرات وفصول الكتب، فكيف يمكن للسارق أن يدخل هذا الرواق النخبوي جدا؟ وينهش من الفقرات والفصول ما يلاءم عمله. في هذا السياق لابد من توفر شروط معينة، لأن السارق هذه المرة على درجة معينة من الوعي.. هو سارق نخبوي أيضا، له درجاته العلمية وأدوات تحليله الخاصة.. وأول أدوات تحليله هي: "إن الفكر انتهى مع هيجل وكل ما نقوله خزعبلات ورق نطمح من خلاله إلى تحصيل ما.. الوقت الآن ليس تهافت الفلاسفة ولا تهافت التهافت وإنما تهافت المصالح.. من الذي سيقرأ حتى يدرك أن هذه الفقرات ليست تعنيني". وهكذا لا تطال ضميره معاني الأمانة العلمية، ولا يشير لأحد غير نفسه فينصبها حكيمة الزمان ومنطق اللسان، هذا كله لأننا لا نقرأ.. ونطبع من دون أن نقرأ.. وكل شيء عندنا مفتوح على نافذة الاحتمالات النادرة. المفلس الوحيد هو مشروعنا الفكري.. هل نملك مشروعا فكريا تصب فيه كل العلوم وتعمل من أجل نتيجة واحدة؟؟ ماعدا البرنامج الخماسي لا نملك مشروعا معينا.. إذن ماذا يعيننا في السرقات الفكرية.. دعه يسرق.. دعه يمر ولا شأن لك بهذه الطبقة النخبوية الراقية. هاجر قويدري .. والسارقون والسارقات فاقطعوا أقلامهم! هذا حكم السارق في العرف والشرع وذاك عقابه، بل ربما ينبغي أن يكون العقاب أقسى وأقصى حين يتعلق الأمر بسرقة بنات الفكر وعصارة المخ، لأن الدرهم يمكن أن يعوض بضعفه، بينما يعز تعويض الفكر المسلوب. هذه ديباجة كان لابد منها في مستهل التحاور في هذا الموضوع الخطير الذي ارتأت "الفجر" فتحه في وقت غير بريء! (واسمحوا لي - وقد كنت صحفيا منذ 15 سنة - إذا قلت إنني لا أبرئ الصحافة الوطنية من هذا الإختيار الذي غالبا ما يجعلها متهمة باتهام بعض الكتاب الجزائريين الأبرياء، والمساهمة - دون وعي - في حملات مغرضة ضدهم !!) أما بعد، فإنني أجمل وجهة نظري في هذه المسألة من خلال النقاط الآتية: - كي تكون "السرقة" سرقة (في الأدب أو الفكر أو المال..) لابد أن تتصف بالمواصفات اللغوية والإصطلاحية للسرقة (وهي أن تأخذ ملك غيرك أخذا خفيا)، بمعنى وجوب إثبات أن المأخوذ ليس من حق الآخذ أو ملكيته، وأن الآخذ قد عمد إلى ذلك في سرية واستتار، أي أنه لم يعلن عن مرجعية المأخوذ. - لقد كان العرب (ربما) أكثر الأمم تأسيسا لما يمكن أن يسمى تسميته "علم السرقات الأدبية"، وبالعودة إلى عشرات المصطلحات التي أبدعها هذا "العلم" (النسخ، المسخ، السلخ، الإستعانة، الإغارة..) نرى إلى أي حد كان جهازهم الإصطلاحي والمعرفي دقيقا في تتبع أشكال السرقات ومستوياتها ودرجاتها.. - في المقابل، حين نقرأ عشرات الكتب النقدية التي ألّفت حول شعراء عظام كالمتنبي وأبي تمام، ندرك أن الأمر كثيرا ما يدخل في حكم الحق المزعوم، أو الحق الذي يراد به الباطل!. - إن الفكر الغربي كاد يقضي على فكرة السرقات، حين وضع على أنقاضها فكرة "التناص Intertéxtualité" ، وآمن بأن كل عمل فني لابد أن يخلق انطلاقا من أعمال سابقة، وأعلن أن المتكلم ليس آدم، ومادامه ليس أول مستعمل للغة فلابد أن يتقاطع فكرا ولغة مع نصوص غيره. وقد تداخلت السرقات بالتناصات في أذهاننا تداخلا مريعا، حيث أصبح السارق (العربي) الموصوف يتحجج بفكرة التناص حين يضبط متلبسا! هنا يعجبني مصطلح (التلاص) عند عزالدين المناصرة. وأقول إن التناص بيّن والتلاص بيّن ( فاجتنبوا ما بينهما من مشتبهات!). - إننا (في الجزائر) لم نشهد جدالا علميا موضوعيا حقيقيا حول نماذج محددة من السرقات الأدبية والفكرية، بل كثيرا ما كانت الفتن والحزازات والنعرات وتصفية الحسابات الشخصية هي الموجه الحقيقي المتحكم في أطراف تلك النقاشات غير البريئة، وإن الصحافة هي أكثر المؤسسات استثمارا في تلك الحروب الوهمية!. ولا أريد أن أستعيد حكاية رشيد بوجدرة ومحمد بنيس، أو خرافة أحلام مستغانمي ويوسف سعدي (التي كذبها صحفي تونسي وصدقها!). - وأخيرا إن حكاية حفناوي والغذامي (التي أعتقد أنكم قد فتحتم هذا الملف انطلاقا منها) هي - في نظري - نكتة غير مسلية! للأسباب التالية: 1 . إن هذه التهمة (الباطلة أصلا) قد ارتبطت بتتويج كتابه "مدخل في نظرية النقد الثقافي المقارن" بواحدة من أكبر الجوائز الثقافية، في العالم العربي فمن المحتمل أن تلعب الغيرة لعبتها إذن لأن الكتاب صدر سنة 2007 ولم يثر هذا اللغط. وقد فزت شخصيا بهذه الجائزة قبل حفناوي بسنة، ومعلوم أن الدكتور الغذامي هو أحد أعضاء الهيئة الإستشارية للجائزة، وحين التقيته فوجئت بأنه قرأ كتابي كاملا واستمات في الدفاع عنه، واستعرض لي مختلف مزاياه، فمن المؤكد إذن أن يكون على الأقل قد قرأ كتاب حفناوي، ولو رأى فيه ما رأى أخونا الناقد المصري (وخصوصا أنه سيصبح شاهدا على ما سرق منه) لما غامر بإجازة الكتاب. 2 . إن لهذا الناقد الصحفي سوابق مماثلة مع كبار الكتاب المصريين، فمن يجرّم صلاح عبد الصبور ويسرّق أحمد عبد المعطي حجازي، لابد أن يفعل أضعافا مضاعفة مع أمثال حفناوي بعلي. 3. من التفاهة أن يقول قائل إن نصيب حفناوي من الكتاب لا يتعدى اسمه والعنوان، لماذا ؟ إذا افترضنا أن المؤلف لم يأت بأي فكرة من عنده، فلنلاحظ أنه اعتمد على 230 مرجع كامل خلال حوالي 370 صفحة، وإذن كم يكون نصيب مرجع الغذامي من هذا الكتاب أمام المراجع الأخرى المتبقية؟ بل لو قال صاحبنا إن هذا الكتاب مسروق من 230 كتاب لصدقناه على سبيل المجاز ! 4 . المشكلة الوحيدة في كتاب حفناوي بعلي (وقد قرأته، وسبق لي قراءة كثير من مراجعه) هي أنه أحيانا يأخذ فكرة من كتاب ويوثقها ثم يأخذ فقرات أخرى من الكتاب نفسه ويسهو عن توثيقها أو يتصرف لغتها (وقد ظنها صارت ملكية عامة)، أو يفعل ذلك وفي ذهنه إن القارئ النخبوي ( الذي قرأ المرجع المحال عليه سابقا) صار في غنى عن التوثيقات الدقيقة، لذلك يكتفي بتقديم ملخصات دون توثيق، ربما كي لا يثقل كتابه بالإحالات. فعل ذلك مع كتاب الغذامي ومع (دليل الناقد الأدبي) و (النظرية الأدبية المعاصرة) و(الخطاب)..، حيث نعثر على فقرات مقتبسة من تلك الكتب في مواضيع محدودة دون تهميش. وأنا شخصيا أختلف معه تماما في مثل هذه الطريقة، لكنني في الوقت ذاته أختلف تماما مع الذين يعممون خطأً، وقع في صفحات قليلة، على كتاب كامل يقع في مئات الصفحات!. د.يوسف وغليسي جامعة قسنطينة في السرقات الأدبية إن موضوع السرقات الأدبية قديم قدم الأدب، إذ تحدّثنا كتب التراجم وتأريخ الأدب عن اتهام كثير من كبار الأدباء وصغارهم بالسرقة والسطو على كتابات الغير. وأكبر مثال هو المتنبي الذي راجت حوله كتابات تتهمه بالسرقة، ما أدى بعبد العزيز الجرجاني إلى تأليف كتاب للدفاع عن المتنبي وإيضاح معنى السرقة الأدبية، ألا وهو: الوساطة بين المتنبي وخصومه. ذلك أن مسألة السرقة الأدبية موضوع ملتبس وشائك وليس من السهل تحديده بوضوح وموضوعية. قديما قال الجاحظ إن المعاني (أي الموضوعات) مطروحة في الطريق يعرفها العربي والعجمي، أي أنها ملك مشاع بين الناس عامة وبين الكتّاب والشعراء خاصة. هكذا، استثنى الجاحظ الموضوعات من السرقة الأدبية ومن المفاضلة بين الأدباء. وحديثا استحدثت جوليا كريستيفا مصطلح التناص والتداخل والتعايش بين النصوص الأدبية. وقالت إن النص الأدبي عبارة عن مفترق الطرق تنصب فيه جميع النصوص السابقة، وأن الكاتب لا ينطلق من فراغ وإنما يتشبّع بنصوص غيره قبل أن يرفع قلمه ليخط نصا جديدا، ينسبه لنفسه. هكذا راحت الدراسات النقدية المعاصرة تتقفى أثر النصوص السابقة في نصوص المعاصرين. وعمّق جيرار جينات الفكرة بتحديد سلّم للتناص وللعلاقة بين النصوص. وسأعفي القارئ الكريم عن العدد الهائل من المصطلحات المنحوتة لإيضاح فكرته مثل المناصصة والميتانصية ومعمارية النص والتعالق النصي وغيرها من التفاصيل الصغيرة الأخرى. لنصل إلى أن فكرة السرقة الأدبية موضوع فضفاض غير قابل للتحديد. طبعا يخص هذا الكلام الإبداع الأدبي، حيث يتأثر المبدع بكتّاب أعجب بنصوصهم إلى حد التأثر العميق مثل رشيد بوجدرة الذي يردّد مرارا أنه تلميذ للرواية الحديثة والجديدة خاصة مارسال بروست وفولكنر وكلود سيمون. وهو أيضا لم ينجُ من تهمة السرقة وقد أثير الموضوع منذ سنوات حول علاقة روايته "ألف عام وعام من الحنين" سواء من ألف ليلة وليلة أو مئة عام من العزلة لماركيز. ورواية معرقة الزقاق برواية معرقة فاصال لكلود سيمون. كما أثيرت مؤخرا قضية ياسمينة خضرا مع "عشاق بادوفاني" أو رواية "متسولون ومتكبرون" لألبير قصيري أو رجال وفئران لشتاينبيك. وهو تشابه في الموضوعات ليس إلا وقد عدت بنفسي إلى هذه الروايات وقارنتها بروايات ياسمينة خضرا، خاصة أنني مترجم "فضل الليل على النهار" التي ستصدر قريبا. وقد سبق أن أدليت برأيي بالتفصيل في الندوة التي أقيمت مع ياسمينة خضرا في صالون الكتاب وأدب الشباب في جوان الماضي. في النقد الأدبي تطرح المسألة من زاوية أخرى على أساس أن الاستشهاد مسموح به، بل هو ركيزة أساسية، إذ يقوم الناقد بعرض أفكار غيره قبل تحليلها وتقييمها. ويكون الاستشهاد بذكر صاحب الفكرة والكتاب الذي وردت فيه. ولا يحق للناقد أخذ فكرة غيره دون ذكر المصدر، ومن فعل يكون قد تجاوز أخلاقيات البحث العلمي. إذاً تكون السرقة Plagiat ثابتة عندما ينقل الكاتب فقرة بكلماتها وجملها ونقاطها دون أدنى تغيير، ولا يشير إلى مصدرها في حالة النقد الأدبي ولا إلى صاحبها ضمن المتن في حالة الإبداع، حيث تكتب بحروف مغايرة لإبرازها، هي إشارة إلى أنها لغير الكاتب إذا كانت معلومة ولكاتب كبير ومكرس عالميا، مثل شكسبير وبودلير وغيرهم. لجميع هذه الأسباب ينبغي التريث والقراءة المتأنية والمقارنة الدقيقة للنصوص المشار إليها قبل إطلاق الأحكام الجاهزة واتهام كاتب بالسرقة دون تمحيص ولا قراءة متأنية ومعرفة ما يقوله المختصون في مفهوم السرقة الأدبية وتجلياتها عبر العصور. محمد ساري سرقات أدبية أم تعالقات نصية؟ السرقة هي الاستيلاء على ملكية الآخرين بدون وجه حق، سواء أكانت سرقة مادية أو فكرية، ومن ثمّة فهي اعتداء موصوف، وعمل مشين تحرّمه كل الشرائع الدينية والدنيوية. غير أنه إذا كان من السهل تحديد السرقة المادية وتقويم الضرر الذي يلحق بالمعتدى عليه منها، فإن الأمر ليس بالسهولة نفسها حينما يتعلق الأمر بالسرقة الفكرية، وخاصة السرقة الأدبية، لأن الأدباء، منذ أقدم العصور، يتأثرون ببعضهم بعضا، ويعجب اللاحق منهم بالسابق، فينسج على منواله، ويقتبس منه، ويظهر ذلك في ألفاظه، أو في معانيه، أو في أسلوبه ولا أقصد هنا ذلك السلخ، أو المسخ، أو التشويه الذي يعمد إليه بعض من لا علاقة لهم بالأدب وقد يكون المتأثر واعيا بتأثره، وقد يكون غير واع بذلك، وقد يذكر ذلك وقد لا يذكره. وقد درس النقّاد ومنظّرو الأدب المعاصرون هذه الظاهرة في ما أصبح يعرف بالتناص، وحدّدوا أشكالها، وكيفياتها، ووضعوا لها مصطلحاتها وقوانينها، وخلاصة رأيهم فيها أن النص، أي نص، إنما هو عبارة عن نصوص متحاورة فيما بينها (حسب تعبير ميخائيل باختين)، بعضها قديم وبعضها حديث أو معاصر، وتتحاور فيما بينها (حسب جوليا كريستيفا) بطريقتين إما على مستوى البنية السطحية، ويتجلى ذلك في الألفاظ والتعبير، وأساليب الخطاب، وإما على مستوى البنية العميقة، أي في الأفكار والمعاني، ومن هنا فإن الاقتباسات المختلفة للأدباء من بعضهم بعضا، بألفاظها، أو بمعانيها، بالزيادة أو النقصان، أو التحريف، إنما هي حوار فكري وفني لا يمكن أن يوصف بالسرقة. وعلى هذا الأساس قلّ الحديث في العصر الحاضر عمّا كان يعرف بالسرقات الأدبية في القديم، وأصبحت تدرّس في إطار الأدب المقارن، باعتبارها "حوارا"، وتفاعلا فكريا وحضاريا، ينصب الاهتمام فيها على السياقات التي جاءت فيها، وعلى الأسباب التي جعلتها تتغير أو تتحور، أو تتطور عبر الزمان والمكان، والدلالات الجديدة التي اكتسبتها، والأشكال التي اكتسبتها، وهكذا. وبهذا المفهوم يكون أبو فراس الحمداني متجنيا على المتنبي، شاعر العربية الأول، حينما اتهمه بالسرقة في مجلس سيف الدولة، وراح يعيد بعض أشعاره بألفاظها، أو بمعانيها إلى شعر من سبقوه أو عاصروه من الشعراء، وقس على هذا حكايات لافونتين على لسان الحيوان، التي اقتبس معظمها من أيسوب اليوناني، ومسرحيات شكسبير وموليير الكثيرة، التي اقتبس معظمها من مصادر معروفة لمعاصريهما. وبهذا المفهوم نفسه يكون هذا الذي يدعى "السميطي" قد تجنّى على الدكتور حفناوي باعلي حين اتهمه بسرقة بعض أفكار الدكتور عبد الله الغذامي، وتضمينها في كتابه "مدخل في نظرية النقد الثقافي المقارن"، مع العلم أن باعلي لم ينكر ما اقتبسه من الغذامي وهو أحد الروّاد العرب في هذا النوع من النقد وقد أثبته في موضعه من الاستشهاد، وفي قائمة مراجعه. والظاهر أن صاحبنا مولع بإثارة الفضائح، حتى حينما يتعلق الأمر بأناس شرفاء من أمثال الدكتور حفناوي باعلي، الذي قضى زهرة شبابه في الدراسة والتدريس والبحث، وأثرى المكتبة الجزائرية والعربية بأعمال كثيرة قيمة، وفي مقدمتها كتابه السابق الذكر، الذي نال به عن جدارة واستحقاق جائزة "الشيخ زايد" للسنة الجارية. والشيء المؤكد أنه لن يضيره في شيء قول المتقوّلين، ولا ادعاءات الفضائحيين. د.أحمد منور النصوص القانونية لحماية الملكية الفكرية في الجزائر صدر في الجزائر الأمر رقم 73-14 المؤرخ في 3 أفريل 1973 المتعلق بحق المؤلف، ثم الأمر رقم 73-46 المؤرخ في 25 جويلية 1973 المتضمن إنشاء الديوان الوطني لحق المؤلف. أيضا الأمر رقم 97-10، والذي يتمتع المؤلف فيه بحقوق معنوية غير قابلة للتصرف فيها ولا للتقادم ولا يمكن التخلي عنها، وهي كالتالي: - حق الكشف عن المصنف الصادر باسمه الخاص أو تحت اسم مستعار ويمكنه تحويل هذا الحق للغير. - حيث اشتراط ذكر اسمه العائلي أو الاسم المستعار في شكله المألوف، وكذا على دعائم المصنف الملائمة، وكذلك فيما يخص جميع أشكال الإبلاغ العابرة للمصنف إذا كانت الأعراف وأخلاقيات المهنة تسمح بذلك. - إذا رأى المؤلف أن المصنف لم يعد مطابقا لقناعاته يحق له التوبة أو يسحب المصنف الذي سبق نشره من جهة الإبلاغ للجمهور عن طريق ممارسة حقه في السحب، غير أنه لا يمكن للمؤلف ممارسة هذا الحق إلا بعد دفع تعويض عادل عن الأضرار التي يلحقها عمله هذا بمستفيدي الحقوق المتنازل عنها. - حق اشتراط احترام سلامة مصنفه والاعتراض على أي تعديل يدخل عليه أو تشويهه أو إفساده إذا كان ذلك من شأنه المساس بسمعته كمؤلف أو بشرفه أو بمصالحه المشروعة. - تمارس الحقوق المعنوية سابقة الذكر من طرف ورثة مؤلف المصنف بعد وفاته أو من طرف كل شخص طبيعي أو معنوي أسندت له هذه الحقوق بموجب وصية، وفي حالة عدم وجود ورثة تعود ممارسة هذه الحقوق إلى الديوان الوطني لحقوق المؤلف المجاورة. واستكمالا للنقائص الواردة في هذا الأمر السابق صدر الأمر رقم 03-05 المؤرخ في 19 جويلية 2003 والمتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة المؤيد بإصدار القانون رقم 03-17 الصادر سنة 2003 وقد ركز على المصنفات الفكرية التالية: 1- المصنفات الأصلية 2- المصنفات المشتقة 3- المصنفات المجاورة وقد شمل هذا الأمر حماية كاملة لكل المصنفات الفكرية كالمصنفات السمعية البصرية، والعلاقة القانونية بين المبدعين ومنتجي المصنفات، والمصنفات الأصلية الأخرى كمصنفات التراث الثقافي التقليدي ومصنفات قواعد البيانات وبرامج الإعلام الآلي والمصنفات المشتقة المتعلقة بأعمال الترجمة والاقتباس وغيرها... وتطرق أيضا للعقوبات الجزائية والمدنية والكثير من الأمور المتعلقة بالملكية الفكرية. من الجريدة الرسمية الجزائرية، العدد 67، الجزائر، 2003