تباينت المواقف والتصريحات بخصوص كيفية التعاطي مع الوضع في سوريا، فبينما راح البعض يؤكّد على تمكين الجامعة العربية من إتمام مهمة ملاحظيها قبل البت في أية خطوة لاحقة راحت بعض الأطراف المعارضة إلى إرسال وحدات عسكرية إلى هذا البلد أو التعجيل بتحرك مجلس الأمن الدولي من أجل اتخاذ موقف متشدّد إزاء النظام السوري لإرغامه على الرحيل. وبين هذه المواقف بدأت دمشق تدرك صعوبة الموقف وراحت تكثر من رسائل التهدئة كان آخرها إصدار الرئيس بشار الأسد لقرار عفو رئاسي عن ''مقترفي الجرائم'' خلال المدة الممتدة ما بين منتصف مارس من العام الماضي ومنتصف الشهر الجاري والتي لها علاقة بالأحداث الدامية التي تشهدها بلاده. ويبدو أن القرار وعدد من سيشملهم لم يرق لإرضاء الجامعة العربية التي رأت في ذلك وبطريقة غير مباشرة انه مجرد ذر للرماد على اعتبار أن من بين شروط الهيئة العربية إطلاق سراح كل الأشخاص الذين اعتقلوا على خلفية موقفهم من النظام الحاكم والمقدر عددهم حسب مصادر المعارضة بأكثر من أربعين ألف معتقل. ويكون ذلك هو الذي جعل الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي يؤكد في اتهام مبطن أن السلطات السورية لن تنفذ بشكل كامل الالتزامات التي أخذتها على عاتقها ضمن ما أصبح يعرف ببرتوكول الجامعة العربية حول سوريا. وهي تهمة شدد الأمين العام الاممي بان كي مون التأكيد عليها بالعاصمة اللبنانية أمس عندما أكد أن ''طريق العنف طريق مسدود''. وتحمل تصريحات العربي وبان كي مون رسائل مشفرة باتجاه السلطات السورية وبما قد يمهد الطريق للانتقال إلى المرحلة الثانية في كيفية التعامل مع تداعيات الوضع في هذا البلد من خلال إرسال قوات عسكرية عربية تضع حدا لأعمال العنف المستفحلة في مختلف المدن السورية. وبدأت فكرة القوة العسكرية تجد طريقها إلى التداول بعد أن طالب بها أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل الثاني واعتبرها الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى بالمقترح ''الهام جدا'' حاثا الدول العربية إلى مناقشته بهدف البدء في إيجاد آليات تجسيده ميدانيا. ولا يستبعد أن تحظى هذه الفكرة باهتمام خاص خلال اجتماع وزراء خارجية اللجنة العربية المكلفة بمتابعة الأوضاع في سوريا يوم السبت القادم لتقييم عمل بعثة الملاحظين ومعاينة تقاريرها النهائية حول مهمة انطلقت منذ 26 من الشهر الماضي وان كان الأمين العام للجامعة العربية أكد على مراجعة شاملة لعمل بعثة المراقبين العرب في سوريا ستجرى خلال اجتماع للجنة الوزارية. ولم يسبق أن سارت تصريحات مسؤولين عرب باتجاه الانتقال إلى تجسيد فكرة إرسال وحدات عسكرية إلى سوريا بقناعة أن العنف لم يتوقف والقتلى يسقطون يوميا وبوادر انفراج الأزمة ليست ليوم غد وفي موقف ضمني أن دمشق أخلت بالتزاماتها بإزالة كل مظاهر السلاح في المدن السورية ضمن بادرة حسن نية من اجل إنجاح مهمة الجامعة العربية. وعندما نعلم أن سوريا ستعارض معارضة قطعية مثل هذه الفكرة فإن الموقف العربي مرشح لأن يعرف تحولا نوعيا أيضا بما قد يفتح الباب واسعا أمام مجلس الأمن الدولي للتدخل وفرض منطقه بإرغام السلطات السورية على انفتاح ديمقراطي حقيقي. ولا يستبعد أن يأخذ الموقف مثل هذا المنحى وخاصة وان فرنسا بدأت تتحرك بقوة من اجل الدفع بتبني قرار يخص الوضع في سوريا بعد أن انتقد وزير خارجيتها ألان جوبي أمس ''الصمت'' الذي التزمه مجلس الأمن الدولي بخصوص سوريا التي قال إن الوضع فيها ''لم يعد يطاق''. والانتقاد موجه بشكل مباشر إلى موسكو وبكين اللتين رفضتا إلى حد الآن كل فكرة لاستصدار قرار يدين السلطات السورية وهو ما جعل روسيا تتقدم بمشروع قرار طالبت فيه السلطة والمعارضة السورية على السواء إلى التزام التعقل والكف عن استعمال القوة وهي العبارة التي لم تستسغها الدول الغربية التي تريد من جهتها توجيه الاتهام إلى النظام السوري وتحمليه مسؤولية مباشرة على كل ما يجري هناك.