يعود يوم غد فلاديمير بوتين إلى قصر الكريملين بعد أربع سنوات قضاها على رأس الحكومة الروسية خلفا للرئيس ديمتري ميدفيديف الذي سيعود بدوره وبصورة تلقائية إلى منصبه كوزير أول لروسيا في إطار الاتفاق الخاص بتبادل المناصب بين الرجلين. وكان بوتين غادر الرئاسة الروسية سنة 2008 مرغما بمقتضى نص الدستور الروسي الذي لا يسمح سوى بعهدتين رئاسيتين متتاليتين وهو ما جعله يجد الصيغة المواتية لإيجاد منفذ قانوني مكنه من العودة إلى الرئاسة الروسية بترشيح وزيره الأول للرئاسة وبقائه وزيرا أول في عهدته. وينتظر أن يقوم نواب الدوما (الغرفة الأولى) في البرلمان الروسي مباشرة بعد تنصيب بوتين رئيسا للبلاد بإجراءات تعيين ديمتري ميديفيدف في منصب الوزير الأول وفق تبادل المناصب المتوصل إليه شهر سبتمبر الماضي بينه وبين بوتين. وهي جلسة بروتوكولية ستتبعها جلسة أخرى بعد غد الثلاثاء يقوم خلالها النواب بترسيم تعيين الوزير الأول في منصبه الجديد القديم. يذكر أن الوزير الأول الروسي عاد إلى قصر الكريملين بعد فوزه في انتخابات مارس الماضي منذ الدور الأول متقدما بفارق كبير على منافسيه الآخرين وتمكن بفضل حزبه الجديد ''روسيا الموحدة'' من فرض منطقه في الانتخابات العامة شهر ديسمبر الماضي الذي ضمن فيه الأغلبية التي ستمكن صديقه ميديفيديف من العودة إلى الوزارة الأولى دون عناء. وفاز بوتين بنسبة 64 بالمئة من أصوات الناخبين في انتخابات الرئاسية شهر مارس الماضي بعد 12 سنة قضاها على رأس الدولة الروسية وبعد أربع سنوات في منصب الوزير الأول وهو يعود يوم غد إلى مقاليد السلطة الروسية لتأكيد قوته كشخصية سياسية روسية شابة وصاعدة وتكريس ثقافة جديدة لدى مسؤولي الدولة الروسية من شخصيات ترعرعت في دواليب الحزب الشيوعي إلى شخصيات ترمز إلى شباب روسي تواق إلى الديمقراطية والحرية ولكن أيضا إلى الرفاه الاقتصادي من خلال بناء دولة قوية باقتصادها وبمؤسساتها. ويكون ذلك هو الذي جعل بوتين رجل المخابرات السابق يصر على مواصلة هذا المشوار في مجتمع عاش الأحادية لأكثر من سبعين عاما وهو الآن يبحث عن نفسه في سياق عولمة زاحفة لا يريد حزب روسيا الموحدة الذي اسسه الرئيس بوتين أن يكون خارج إطارها. ويمكن القول أن بوتين البالغ من العمر 59 عاما سيبقى في أعلى هرم السلطة الروسية إلى غاية سنة .2024 ويصر بوتين ومعه ميديفيدف على تكريس هذه القناعة لدى عامة الروس وهم الذين اعتادوا على رؤية بلدهم يضاهي القوة الأمريكية قبل أن تنهار فجأة وتتفكك الأمبراطورية الحمراء إلى دويلات أعادتها إلى نقطة الصفر وهي الآن تريد أن تعود إلى الواجهة من اجل استعاد مجد ضائع. ولكن بوتين إذا كان يحظى بتأييد شعبي فإنه لم يتمكن من كسب ود كل الروس الذين سيخرجون اليوم بالآلاف إلى قلب العاصمة موسكو في مظاهرة احتجاجية ضد عودته وتنديدا بما أسموه بتزوير الانتخابات النيابية شهر ديسمبر الماضي. ولكن هذا المشهد لن يغير الأمور في شيء مادام الآلاف الآخرون سيخرجون هم كذلك يوم غد من اجل التعبير عن سعادتهم بعودة من يرون فيه منقذ روسيا وبناؤه الذي سيعيدها إلى سكة قمة العالم وعدم ترك أمريكا تقرر وحدها لعالم الألفية الثالثة.