يتوقع أن يعيد الناخبون الروس يوم غد انتخاب الوزير الأول فلاديمير بوتين لعهدة رئاسية جديدة، في انتخابات تؤكد كل عمليات السبر والتوقعات أن يفوز بها بفارق كبير عن منافسيه الآخرين ودون الحاجة إلى خوض سباق الدور الثاني. ولم يفوت الرئيس ديمتري ميدفيديف مناسبة هذه الانتخابات ليوجه نداء إلى كافة الناخبين الروس، حاثا إياهم على المشاركة القوية في ''موعد تاريخي'' ولكنه حرص على نصحهم باختيار المرشح الأنسب لقيادة البلاد وخلافته على كرسي قصر الكريملين للست سنوات القادمة. وفهم كل الروس أن ميديفيدف الصديق الوفي لوزيره الأول فلاديمير بوتين إنما أراد أن يختم الحملة الانتخابية الروسية لصالح الذي مكنه قبل أربع سنوات من الوصول إلى قمة سدة الحكم في روسيا وهو لم يبلغ الثالثة والأربعين من العمر في سابقة هي الأولى في تاريخ الشعب الروسي. وقد اعتاد الروس منذ نجاح الثورة البلشفية على وجوه رئاسية وقد أتعبتها سنوات العمر وهم يتولون السلطة في خريف أعمارهم ضمن قاعدة تكرست في دواليب الدولة الشيوعية السوفياتية، قبل أن يعمل بوتين على كسرها رغبة منه في اعطاء صورة جديدة لروسيا الخارجة من اكبر كارثة لحقت بها بعد تفكك دولة الاتحاد السوفياتي. ويتذكر جميع الروس سنة 2000 عندما تمكن رجل المخابرات الروسية السابق من اعتلاء كرسي الرئاسة الروسية كأصغر رئيس يعين لقيادة ثاني اكبر قوة في العالم رغم الوهن الذي أصابها بعد تفكك المعسكر الشيوعي خلفا لبوريس ايلتسين الرئيس المريض، مراهنا على لغة خطاب جديد ولكن بطريقة تفكير وعمل أكثر فعالية من اجل العودة بها إلى حظيرة أقوياء العالم، قبل أن يعاد انتخابه سنة 2004 بقناعة انه الرجل المناسب لقيادة دولة تبحث عن ذاتها بعد كل ما أصابها والتراجع الذي ضرب دورها الدولي وحتى الإقليمي. ولأنه كان يريد أن يواصل مسيرة إعادة روسيا على سكتها والدستور الروسي لا يمكنه من ذلك، فقد تفجرت مخيلته على معادلة سياسية مكن من خلالها الشاب ديمتري ميديفيدف من الفوز بعهدة رئاسية سنة 2004 حتى يتمكن من تحقيق حلمه وكان له ما أراد عندما احتفظ لنفسه بقيادة الحكومة الروسية ليكون في نظر الكثير من المتتبعين الحاكم الفعلي لروسيا بحكم بقائه على صلة مباشرة بكل القضايا التي تهم بلاده وكلمة الفصل تعود إليه في كل مرة حتى وإن كان ميدفيديف هو الذي يتخذ القرارات العلنية بشأنها. وإذا كانت المعارضة الروسية قد استفاقت وعملت المستحيل من اجل توجيه انتقادات لاذعة للثنائي ميدفيديف بوتين وطريقة تسييرهما للشأن العام الروسي، إلا أن هذا الأخير حافظ على شعبيته في مستوياتها العليا، مما جعل عدة دوائر في روسيا وخارجها يرشحونه للفوز بانتخابات يوم غد دون عناء وقناعتهم انه لا احد من منافسيه الثلاثة قادر على منعه من اعتلاء كرسي الكريملين بعد أربع سنوات من الغياب. وأكدت عدة تقارير متابعة للانتخابات الروسية أنه حتى المرشح الشيوعي غينادي زيوغانوف ورغم العودة القوية لهذا التيار الذي يسعى لإعادة مجد روسيا السوفياتية، فإنه لن يتمكن من الإخلال بواقع سياسي كرسه الوزير الأول الروسي كنتيجة حتمية للرفاه الاجتماعي والاقتصادي الذي يعيشه المجتمع الروسي ويريد تحقيق المزيد حتى وإن كان ذلك على علاقة مباشرة بأسعار برميل النفط والغاز الذي اعتمد عليه الثنائي بوتين ميدفيديف من اجل تسويق صورة روسيا جديدة قوية وقابلة لان تعود إلى واجهة الساحة الدولية بنفس القوة والطموح الاستراتيجي. وكان الترويج لهذه النقطة الحيوية التي يحلم بها كل روسي هي التي جعلت شعبية بوتين ومن بعده ميدفيديف تبلغ مستواها الأقصى بتجاوزها عتبة 70 بالمئة من نوايا الناخبين الروس وبما يحكم على محدودية حظوظ المرشحين الآخرين لمقارعة رجل روسيا العائد بقوة اكبر، وخاصة منذ أن تعهد الرئيس الحالي شهر سبتمبر الأخير بأنه لن يترشح ثانية وأنه سيترك مكانه لصديقه بوتين بعد أن تم تعديل الدستور الروسي بكيفية غير بواسطتها مدة العهدة الرئاسية من أربع سنوات إلى ست سنوات وبما يمكنه من التربع على كرسي قصر الكريملين إلى غاية سنة .2024 وإذا تأكد فوز بوتين بهذا الموعد الانتخابي الحاسم في تاريخ روسيا فإن ذلك سيمكنه من القيام بإصلاحات واسعة إذا راعينا فوز حزبه، روسيا الموحدة، بأغلبية مقاعد مجلس الدوما (الغرفة الاولى) بما يمكنه من كل الصلاحيات لتمرير القوانين والإصلاحات التي يرغب القيام بها وبالكيفية التي يريدها.