كشف تأكيد هنري انشر، سفير الولاياتالمتحدة بالجزائر، تمسك واشنطن بكريستوفر روس مبعوثا أمميا إلى الصحراء الغربية أن الإدارة الأمريكية لم تعد تطيق تقلبات الموقف المغربي إزاء دور مجلس الأمن والأممالمتحدة وبعثة المينورسو في نزاع الصحراء الغربية. وحتى وإن كان تصريح الدبلوماسي الأمريكي مقتضبا ولم يزد عن عبارة أن كريستوفر روس مازال يحظى بدعم الولاياتالمتحدة فإنه يحمل كل الدلالات على مدى التذمر الذي تبديه بعض القوى الكبرى داخل مجلس الأمن الدولي من ''التلون الحربائي'' لموقف مغربي لم يعد يستطيع التكيف مع تطورات القضية الصحراوية. وجاء أيضا ليزيد القناعة أن سياسة الهروب إلى الأمام التي ما انفك المغرب ينتهجها لم تعد تجديه نفعا بعد أن فقد قوة الإقناع في وقت تريد فيه المجموعة الدولية حلحلة مخطط تسوية آخر قضايا الاستعمار في إفريقيا وايصال طرفيها إلى مسار سلام أصبح من المحتم أن يعرف نهاية له باتجاه أو بآخر والمهم أن تنتهي مأساة الشعب الصحراوي. وبقدر ما جاء تصريح السفير هنري انشر لتأكيد رفض واشنطن لمواقف ''الدلال'' المغربية فإنه جاء داعما لموقف الأمين العام الأممي بان كي مون الذي جدد هو الآخر ثقته في مبعوثه الشخصي في موقف أقل ما يقال عنه إنه رسالة مشفرة للرباط بأن الأممالمتحدة لن تكون أداة تستغلها في الاتجاه الذي تريد وبما يخدم مصلحتها لمواصلة احتلالها لإقليم أكدت كل اللوائح الأممية أنه إقليم ينتظر تقرير مصيره. والمفارقة أن القرار المغربي جاء أياما بعد أن رحبت الرباط بمضمون تقرير الأمين العام الأممي الذي دعا طرفي النزاع إلى إيجاد تسوية نهائية له وبما ينهي مأساة الشعب الصحراوي وتجديد الثقة في بعثة ''مينورسو'' بالصحراء الغربية. لكن الرباط لم تجد حرجا في الانقلاب على موقفها ب180 درجة وكأنها استفاقت من حالة إغماء لتعيد النظر في هذا الموقف ولم تجد سوى كريستوفر روس للطعن في مصداقيته واتهامه بالخروج عما أسمته ''المحددات القانونية'' لمجلس الأمن بخصوص الصحراء الغربية. وكان الانقلاب واضحا، خاصة وأن المخزن المغربي مهد له بحملة شرسة شنتها مختلف الصحف المغربية على شخص الدبلوماسي الأمريكي الذي اتهمته بالوقوف وراء التقرير الأخير للأمين العام الأممي إلى مجلس الأمن. وشددت الصحف المغربية على هذه النقطة بالذات وكأنها اكتشفت كوكبا آخر مع أنه طبيعي أن يستند بان كي مون في صياغة تقريره إلى الملاحظات التي خلص إليها موفده الخاص طيلة عام كامل من الاتصالات والتحركات. ولولا ذلك فلماذا يتم تعيين موفد شخصي إذا لم يتم الأخذ بملاحظاته لولا أن الرباط أرادت من خلال موقفها الطعن في شخص الأمين العام الأممي قبل غيره من منطلق أن القناعات التي حملها تقريره خرجت عن إطار اللين الذي كانت التقارير الأممية السابقة تتعامل وفقها مع المغرب قبل أن يكسر بان كي مون هذه القاعدة ويتبنى خطوة أكثر جرأة بعد أن حمل المغرب مسؤولية العقبات التي حالت دون تسجيل أي تقدم على طريق إنهاء هذا النزاع وتعمده تقزيم دور بعثة المينورسو التي وجدت نفسها محاصرة وسط القيود المخابراتية المغربية. ويمكن فهم الموقف المغربي من خلال قراءة موازية كون الرباط بدأت تشعر أن هامش المناورة الذي لعبت فيه طيلة أعوام بدا يضيق من حولها شيئا فشيئا، خاصة وأن روس كان يعتزم القيام بزيارة إلى المدن الصحراوية المحتلة للوقوف على حقيقة واقع الصحراويين الذي بقي طيلة عقود محاصرا برفض مغربي مطلق لأية زيارة من هذا القبيل. وتكون الرباط من خلال موقفها قد أرادت ضرب عصفورين بحجر واحد، فهي من جهة أفشلت جولة روس إلى دول المنطقة ومدن الصحراء الغربيةالمحتلة وأجهضت في نفس الوقت جولة مفاوضات غير مباشرة كان ينتظر أن يعقدها بمفاوضي الجانبين شهري جوان وجويلية القادمين بمانهاست الأمريكية مع طرفي النزاع لبحث ما تم تحقيقه من تقدم منذ الجولة الأخيرة يوم 12 مارس الماضي. لكن هل ستصمد الحكومة المغربية المدعومة فرنسيا في موقفها الرافض لشخص روس ومن خلاله لكل الجهود الدولية أم أن الإدارة الأمريكية ستقف هذه المرة موقفا حازما لرفض كل مساعي الحكومة المغربية لجعل الأممالمتحدة مطية لتحقيق مآربها التوسعية لضم شعب يرفضها.