شهدت العاصمة التونسية، ليلة الاثنين إلى الثلاثاء، مشادات عنيفة بين قوات الأمن ومئات المتظاهرين السلفيين الذين خرجوا احتجاجا على ما أسموها بالتصرفات التي تشكل مساسا بالدين الإسلامي. وأحرق المتظاهرون الغاضبون إطارات السيارات وأغلقوا الطرقات في عدد من أحياء العاصمة تونس ورشقوا رجال الشرطة بالقنابل الحارقة في أسوإ مواجهات تشهدها البلاد منذ الإطاحة بنظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي شهر جانفي من العام الماضي. واعتقلت قوات الأمن 90 متظاهرا ومن وصفتهم بالمجرمين في وقت أصيب فيه سبعة من رجالها بجروح مختلفة عندما كانوا يحاولون تفريق المتظاهرين باستخدام الغازات المسيل للدموع. واندلعت المواجهات على خلفية معرض للفنون أقيم بحي المرسى القريب من العاصمة أقدم على إثره المتظاهرون السلفيون بإتلافهم لأعمال فنية اعتبروا أنها تسيء للدين الإسلامي. وتوسعت دائرة التوتر لتصل إلى مدينة جندوبة في شمال غرب تونس اثر إقدام سلفيين غاضبين على إحراق إدارات محلية منها مقر الاتحاد الجهوي للشغل ومقر الحزب الجمهوري ومقر حركة الوطنيين الديمقراطيين صاحبتها محاولات نهب وسلب محلات تجارية استلزم تدخل قوات الأمن. وتؤكد هذه الأحداث المتلاحقة بأن السلفيين يريدون التأكيد على أنهم أصبحوا يشكلون قوة سياسية في تونس بعد أن كانوا مغيبين أمنيا في ظل النظام السابق الذي فضحت ادعاءاته في أن تونس في منأى عن خطر الإسلام المتطرف. وهو ما يؤكد أن هذه الظاهرة كانت في حالة سبات تكتيكي ما فتئت أن استفاقت منه بعدما وجدت الظروف مهيأة لذلك. ولأن منتسبي السلفية التونسية يريدون أن يكونوا رقما محوريا في كل ما يجري في البلاد فإن ذلك سيشكل تحديا ليس فقط للائكيين الرافضين لظاهرة السلفية ويعتبرونها خطرا يهدد تجانس المجتمع التونسي ومدنية الدولة بل أنهم سيشكلون عقبة أمام الحكومة التي تقودها حركة النهضة الإسلامية وسيجعلون مهمتها صعبة في إحداث التوافق بين مختلف أطياف المجتمع التونسي. وهو ما يفسر الدعوة التي أطلقتها حركة ''أنصار الشريعة'' السلفية غير المعترف بها لتنظيم مظاهرات احتجاجية في كل أنحاء البلاد مباشرة بعد صلاة الجمعة القادم للتنديد بما وصفته بمظاهر ''المساس بالإسلام''. وقال سامي سيد أحد المقربين من الزعيم الراديكالي أبو إياد ''لا علاقة لنا بما حدث الاثنين في تونس'' في إشارة إلى أعمال العنف التي اندلعت فجأة في مناطق عدة من العاصمة التونسية وتسبب فيها سلفيون. وكان الإمام الراديكالي المعروف باسم ابي أيوب دعا في فيلم مصور بث عبر موقع التواصل الاجتماعي ''فايس بوك'' إلى انتفاضة في تونس. وقال ''أيها الشعب المسلم يجب أن تنتفض هذا الجمعة ضد أولئك الذين أساؤوا للإسلام''. وأضاف انه ''منذ الإطاحة ببن علي فان الكافرين لم يتوقفوا على الإساءة لديننا وهذا يتصاعد يوميا''. ولكن أنصار الشريعة أكدت عدم صلتها بأبي أيوب في محاولة للتأكيد على سلمية حركتها الاحتجاجية وقالت أن دعواته للانتفاضة لا تعنيها رغم أن الطرفين يشتركان في نقطة هامة وهي المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية. من جهة أخرى، وفي محاولة منها للسيطرة على الوضع المتوتر قررت الكتلة النيابية لحركة النهضة المهيمنة على المجلس التأسيسي اقتراح قانون يجرم المساس بالمقدسات. وكتبت كتلة النهضة في نص القانون الذي تسعى لتمريره عبر المجلس التأسيسي لجعله بندا في الدستور الجديد أن ''الرموز الدينية فوق كل سخرية وتجاهل أو اعتداء''.