عرفت حالات التسممات الغذائية في الجزائر تراجعا خلال العقدين الأخيرين مقارنة بسنوات التسعينيات، حيث تراجع المعدل السنوي للحالات المسجلة من نحو 9000 حالة إلى 4400 حالة سجلت في 2011، و743 حالة مسجلة خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري، إلا أن الخطورة التي تمثلها هذه الحالات والناجمة أساسا عن السلوكات اللامسؤولة التي يرتكبها المتعاملين والتجار من جهة وغياب ثقافة سليمة للاستهلاك عند بعض فئات المواطنين من جهة أخرى لا زالت تستدعي اليقظة والحذر وتستوقف كل المتدخلين للإسهام في التصدي للممارسات المتسببة في الظاهرة. وفي هذا الإطار، نظمت وزارة التجارة التي تجعل من توسيع نشاطات الإعلام والتحسيس أحدى المحاور الأساسية للوقاية من انتشار حالات التسمم الغذائي، قافلة أعطى الوزير السيد مصطفى بن بادة، صبيحة أمس، إشارة انطلاقها من قصر المعارض الصنوبر البحري بالعاصمة لتجوب مختلف ولايات الوطن خلال الفترة الممتدة إلى 27 جوان الجاري. وقد أبرز السيد بن بادة أهمية هذه القافلة التي تشارك فيها جمعيات حماية المستهلك وبعض الجمعيات المهنية وقطاعات وزارية أخرى على غرار الصحة والفلاحة في ترقية ثقافة الوقاية من التسممات الغذائية، مشيرا إلى أنه بالرغم من التراجع المسجل في حالات الإصابات المسجلة سنويا، إلا أن استمرار تفشي الظاهرة يستدعي تكثيف جهود كل المتدخلين، وإشراك المجتمع المدني في توسيع المبادرات من أجل إيصال الرسالة إلى الأسر الجزائرية التي تقع ضحية للتسممات الغذائية خاصة خلال مواسم الأفراح. وسجلت المصالح المختصة خلال العام الماضي 4421 حالة تسمم غذائي، وهو رقم مرتفع نوعا ما مقارنة بالرقم المسجل في 2010 والذي بلغ 3432 حالة، إلا أن الظاهرة لم تتسبب في 2011 في حالات وفاة، عكس سنة 2010 حيت تم تسجيل 4 حالات وفاة، في حين اعتبر وزير التجارة أن الرقم المسجل خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري والبالغ 743 حالة، هو رقم منخفض بالمقارنة بالحالات المسجلة في نفس الفترة في الأعوام السابقة، غير أنه لا يغني عن الحذر والحيطة وعن جهود تكثيف العمل التحسيسي خلال الفترة الحالية المتزامنة مع حلول فصل الصيف وموسم الأفراح واقتراب شهر رمضان، وهي المواسم التي عادة ما تشهد ارتفاعا في حالات الإصابة بالتسمم الغذائي، حيث تصل نسبة الإصابة فيها إلى 75 بالمائة من مجمل الحالات المسجلة سنويا، منها أزيد من 45 بالمائة في الحفلات العائلية والمطاعم الجماعية. وتبني وزارة التجارة استراتيجيتها لمعالجة أخطار التسممات على ثلاثة محاور رئيسية تشمل إلى جانب العمل الإعلامي والتحسيسي، العمل الرقابي والتأطير التنظيمي والتشريعي. وبخصوص هذا المحور الأخير ذكر الوزير بالإجراءات التي اتخذها قطاعه للتقليص من الحالات المسجلة، ومنها إصدار دليل المستهلك وتوزيعه على نطاق واسع ليصل إلى كافة الفئات المعنية، مواصلة الدعم المالي للجمعيات المتخصصة في حماية المستهلك، برمجة إنجاز 32 مشروع مخبر لمراقبة النوعية لبلوغ هدف مخبر في كل ولاية، استكمال أشغال إنجاز المخبر الوطني للتجارب ومراقبة النوعية وقمع الغش، استحداث الوكالة الجزائرية للوقاية من أخطار الغش في النوعية، والمجلس الوطني لحماية المستهلك، إضافة إلى تعزيز التشريعات المؤطرة لكافة الجهود الموجهة لتعزيز اليقظة لحماية المستهلك وتطهير الاقتصاد الوطني من الممارسات غير الشرعية. وفي سياق متصل، أشار السيد بن بادة إلى المرسوم التنفيذي الذي أصدره الوزارة مؤخرا لإنجاز شبكة الإنذار السريع التي تغطي كل المنتجات المسوقة على المستوى الوطني وتعمل بالتنسيق مع الشبكات الجهوية والدولية لضبط المنتجات المشتبه فيها، كما ذكر بإدراج مفاهيم جديدة في إطار المرسوم التنفيذي 09/03 تحدد طبيعة المنتجات، كالمنتوج المضمون والمنتوج الخطير، علاوة على مفهوم الاسترجاع الذي أصبح يمثل إجراء مؤطرا قانونيا، يلزم كل متدخل سواء كان منتجا أو مستوردا أو موزعا أو بائعا باحترام أمن المنتجات التي يضعها في السوق، ويفرض عقوبات صارمة على المخالفين. وفضلا عن التشريعات المذكورة فقد أصدرت الوزارة الوصية في شهر ماي المنصرم المرسوم 12/ 203 الذي يحدد القواعد المطبقة في مجال أمن المنتوجات، والذي يتم في إطار العمل بالتنسيق مع قطاعات أخرى كقطاعي الصناعة والطاقة والمناجم لوضع نصوص خاصة بمنتجاتها، على أن يتم تعميم العملية التي ترمي إلى ضمان مستوى عال من الحماية للمستهلكين على القطاعات الأخرى. وتشمل الإجراءات المنصوص عليها في المرسوم الأخير أيضا إدخال مبدأ المسؤولية العامة للمنتجين، وإلزامهم بإعلام المستهلكين بكل خصوصيات المنتوجات من خلال الوسم الإجباري الذي يوضع على المنتوج علاوة على تكثيف دور مصالح الرقابة وإسترجاع المنتجات الخطيرة التي تهدد صحة المستهلكين، مع الإشارة إلى أن الفئة الأولى من المنتجات التي تسبب التسمم الغذائي حسب حصيلة معاينات مصالح وزارة التجارة تشمل، اللحوم ومشتقاتها، الحلويات والمرطبات والمياه والعصائر، فيما تأتي في المستوى الثاني مخالف أنواع الألبان والأسماك ثم الخضر غير النظيفة، والمأكولات التي يتم تناولها في المطاعم الجماعية. وقبل إعطائه إشارة انطلاق القافلة الوطنية التحسيسية خول أخطار التسممات الغذائية عاين الوزير المعرض الذي نظمته جمعيات ولائية ومحلية لحماية المستهلك والتي أعدت ملصقات ومنشورات ستقوم بتوزيعها على المواطنين خلال فترة التظاهرة، كما حضر عرضا مسرحيا تم تنظيمه بالمناسبة في إطار فضح الممارسات اللامسؤولة لبعض التجار وتوعية المواطن من الأخطار المترتبة عن تلك الممارسات. وللإشارة فإن القافلة التحسيسية التي توجهت اليوم إلى مقرات المديريات الجهوية التسع للتجارة لتنطلق غدا باتجاه الولايات تشمل تنظيم أبواب مفتوحة وملتقيات تنظم بمقرات المديريات الجهوية والمفتشيات المحلية وغرف الصناعة والتجارة وكذا المراكز الثقافية وقاعات الحفلات والمطاعم ومحلات الأكل السريع، وتتزامن مع حملة إرسال رسائل نصية قصيرة على الهاتف النقال وتنظيم حصص تحسيسية عبر وسائل الإعلام الوطنية والمحلية.