على الرغم من أن وزارة الشؤون الدينية أصدرت تعليمة منذ ما يزيد عن الخمس سنوات، تلزم بموجبها الأئمة بعدم إبرام عقد الزواج الشرعي إلا بعد أن يقدم الطرفان المقبلان على الزواج العقد الإداري، غير أن بعض الذهنيات تصر على اختراق هذه التعليمة باسم -المعرفية- أو بحكم علاقة الصداقة التي تربطهم بالإمام، مما يجعل المحاكم هي الأخرى تستمر في تسجيل قضايا إثبات عقد الزواج التي تتولد عنها قضايا إثبات النسب، وصولا إلى الطلاق الذي يعد نتيجة حتمية للتجاوز الذي ارتكبه الإمام. عند البحث عن الهدف من وراء إقرار هذه التعليمة، نجد أنها وجدت لحماية المرأة وحفظ حقوقها، بعدما ثبُت أن العقد الشرعي وحده خلّف العديد من المشاكل بسبب المفهوم الخاطئ للزوجين اللذين يعاشران بعضهما كأي شخصين متزوجين، ولأن فئة قليلة من الشباب تعرف معنى الالتزام والتحلي بروح المسؤولية، يغير البعض الآخر رأيه في الزواج، والنتيجة دخول الزوجة في متاهة البحث عن حقوقها الضائعة، وعن كيفية إثبات عقد زواجها الذي هو في حقيقة الأمر عقد شرعي صحيح، ولكن يصعب إثباته عند رفض الزوج الاعتراف بها، وامتناع الإمام عن الظهور بالصورة، ومع كل هذا وذلك، وقفنا عند بعض الحالات التي لا تزال ترتكب نفس الخطأ، بسبب الخضوع لبعض العقليات التي تجعل في كثير من الأحيان المرأة ضحية تبحث عمن يساعدها. فمن خلال الزيارة التي قادتنا إلى محكمة عبان رمضان، صادفنا بعض المحامين الذين استنكروا بشدة ما يقوم به بعض الأئمة من تجاوزات، على الرغم من أن التعليمة الصادرة واضحة وتحوز على قوة القانون، كأن الإمام يخالف القانون بموافقته على إبرام العقد الشرعي في ظل غياب العقد الإداري، وحول هذا، حدثنا الأستاذ كمال محامي معتمد لدى المجلس قائلا؛ “مادام أن عقلية المجتمع الجزائري لا تزال محصورة في بعض المعتقدات، كالقول مثلا .. نلجأ إلى الفاتحة ولا نبرم العقد الإداري، لأنه في حال ما إذا لم يكتب المكتوب لا تطلق الفتاة.... ولأن الفاتحة يسهل فسخها ولا تتطلب إجراءات معقدة، على عكس عقد الزواج الذي يتطلب زيارة المحكمة لعدة مرات، هذه الأمور تجعل المحاكم تشهد على مدار السنة قضايا تخص إثبات عقد الزواج، وما ينجر عنه من تبعات”. ويرى الأستاذ يونسي سعيد أن قضايا الأحوال الشخصية المتعلقة بتثبيت الزواج العرفي أصبحت مطروحة على مستوى المحاكم في الآونة الأخيرة، أكثر من أي وقت مضى، ويعود ذلك بالدرجة الأولى إلى مخالفة الأئمة للتعليمة الصادرة عن وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، والتي تنص على ضرورة التأكد من وجود عقد مدني قبل الشروع في إبرام العقد الشرعي، أو قراءة الفاتحة على النحو المتعارف عليه في المجتمع الجزائري، ومن جهة ثانية، تعد المادة 08 من قانون الأسرة سببا مباشرا في ارتفاع عدد القضايا المتعلقة بتثبيت الزواج العرفي، ذلك أن المادة تشترط على الزوج الحصول على ترخيص من الزوجة الثانية ليتمكن من إعادة الزواج، فكثيرا ما يلجأ الزوج إلى إبرام عقد عرفي لتجنب شرط الترخيص الذي يجب أن يستفيه قبل عقد القران بالزوجة ثانية. أما التعليمة الصادرة عن الوزارة الوصية، فهي تحمل في طياتها عقابا تأديبيا لا غير، وهذا ما أدى في الحقيقة إلى إضعاف مضمونها، وعدم تقيّد بعض الأئمة بها، ذلك أن تعدد الزوجات من بين الأمور المرخص بها شرعا، فكثيرا ما يتغاضى الإمام عنها تطبيقا لمبادئ الشريعة السمحة التي تجيز تعدد الزوجات. في حين جاء على لسان الأستاذ سمير، محامي معتمد لدى المحكمة العليا، أن ما يخص الزواج في المجتمع الجزائري لا يزال خاضعا، في العديد من المناطق، للعادات والتقاليد التي تقتضي اللجوء أو لا للفاتحة التي يشرف الإمام على عقدها، وفي كثير من الأحيان، هذا الإمام هو “الطالب” أو كما يسمى “كبير العائلة”، أي أنه لا يتمتع بصفة الإمامة، بعدها يأتي العقد المدني الذي يبرم قبيل إجراء مراسيم العرس. وإن كنت أعتقد - يضيف المتحدث أن قضايا إثبات عقد الزواج قد تراجعت، نوعا ما، على مستوى ولايات الوسط لتمتعهم بنوع من الوعي القانوني، بينما لا تزال المحاكم بولايات الغرب على غرار؛ وهران، الشلف وغليزان تشهد تسجيل عدد معتبر من هذه القضايا، ولعل من بين القضايا التي أتذكرها، والتي تناولتها محكمة وهران مؤخرا، قضية الفتاة التي عمد والدها على تزويجها بشاب لا تحبه، وحتى لا تظهر إرادتها، لجأ إلى الفاتحة التي أبرمها شيخ الحي، ولأن الشاب لم يكن ينوي الزواج منها حقا، أفقدها عذريتها ورفض إتمام مراسيم الزواج، القضية معروضة اليوم على المحكمة، غير أن المشكل يتمثل في أن هذا الشيخ رفض المثول أمام المحكمة خوفا من العقاب، وأنكر قيامه بالفاتحة خوفا من المتابعة الجزائية، والنتيجة هي أن هذه الفتاة تظل حقوقها معلقة على أمل اعتراف الشهود الذين حضروا الفاتحة، حتى يتسنى لها إثبات عقد زواجها، وبالتالي إثبات نسب ابنها، بعد أن تأكد حملها. وأعتقد أن المسؤولية هنا يتحملها أهل العروس، بما في ذلك هذا الشيخ الذي لعب دور الإمام، فمن المفروض أن تكون هناك أيضا تعليمة تمنع قيام أيّا كان بهذا الدور من دون الإمام المعتمد من وزارة الشؤون الدينية، حتى يمنع عقدا مثل هذه العقود، حماية للمرأة، قصد الحد من هذا النوع من القضايا. بينما اعتبر البعض الآخر من العارفين بالشؤون القانونية، أن خرق التعليمة راجع بالدرجة الأولى إلى وجود فراغ قانوني، إلى جانب غياب العمل التنسيقي بين وزارتي العدل الشؤون الدينية، فلو أن القانون ينص صراحة على إقرار عقوبات على الأئمة اللذين يقبلون على القيام بمثل هذه الأعمال، لما شهدنا قضايا إثبات عقد الزواج بالمحاكم، ولحفظت حقوق المرأة، هذا من ناحية، ومن جهة أخرى “صفة المطلقة” هي الأخرى تلاحق الزوجة التي تُطلّق قبل الدخول، وهي الصفة التي أسهمت في تشجيع بعض الأئمة على إبرام العقد الشرعي وعدم اشتراط العقد الإداري، وهو أيضا إجراء ينبغي تصحيحه أو تداركه لتشجيع توثيق عقود الزواج المدنية، لأن حمل صفة المطلقة هو الذي يدفع بالعائلات الجزائرية إلى الضغط على الإمام لخرق التعليمة أو البحث عمن فيهم صفة الورع والدين لإبرام مثل هذا الميثاق الشرعي. اللجوء إلى الزواج الإداري مرهون بزوال صفة المطلقة. دخول الإمام قفص الاتهام واعتباره المسؤول عن وجود قضايا إثبات عقد الزواج بالمحاكم، دفع ب«المساء” للاستفسار عما إذا كانت هناك بعض الشكاوى على مستوى مديرية الشؤون الدينية ضد بعض الأئمة، وإن تم توقيع بعض العقوبات على بعض المخالفين، وحول هذا حدثنا رضا مسؤول بالجامع الكبير قائلا؛ “إنه على مستوى المديرية لم يتم استقبال أي نوع من الشكاوى، غير أنه اعتبر أهل العروسين مسؤولي،ن بحكم أنهم يلجوؤن إلى إبرام عقود الزواج الشرعية إلى ما يصطلح على تسميتهم بأعيان الحي أو كبار العائلة، وهم أشخاص غير معتمدين من مديرية الشؤون الدينية ولا يتمتعون بصفة الإمامة، وهم المسؤولون عن وجود مثل هذه القضايا أمام المحاكم. هذه الحقائق دفعتنا إلى زيارة بعض المصالح الإدارية، حيث أكد لنا بعض الموظفين على مستوى الفرع الإداري لبلدية الجزائر الوسطى، أن شهادة الميلاد الأصلية تحمل تأشيرا على الهامش تدل على أنها مطلقة، وهو أمر يثير امتعاض النسوة اللواتي يأتين لسحب هذه الوثيقة، وأعتقد أن ثمة معلومات غير مؤكدة توحي بإمكانية إزالة هذه الصفة ودَرْء العديد من المشاكل التي تصاحب هذه الأخيرة، والتي تضعف من حظوظ المرأة في الزواج ثانية بسبب بعض العقليات السائدة.