سيشكّل موضوع “التوثيق والأرشفة” محور الملتقى العلمي الذي سيتخلّل فعاليات المهرجان الوطني للمسرح المحترف في دورة 2012، الذي يرتقب أن ينظّم من 22 إلى 24 سبتمبر المقبل، فيما ينطلق المهرجان من 15 إلى 27 من الشهر نفسه تحت شعار “خمسون سنة من الاستقلال وخمسون سنة من المسرح”، ويبدو أنّ الفاعلين على قطاع المسرح قد انتبهوا أخيرا لأهمية التوثيق والأرشفة بعد مرور خمسة عقود من الاستقلال، وقد كانت أصوات عالية تنادي بضرورة أخذ هذا الجانب بعين الاعتبار نظرا لأهميته الحيوية في إعطاء الهوية للأعمال المسرحية وتثبيت حقوقها، والأكثر من ذلك تمكّن من الوقوف على حقائق الماضي بالوثائق والشواهد. يأتي الملتقى ليطرح الإشكالات الجوهرية في مسألة “التوثيق والأرشفة”، وعلى ضوئها تصدر مجموعة من التوصيات المهمة التي تصبّ في صالح الحقل الثقافي وفن المسرح على وجه التحديد، ومن بين الأسئلة التي ستطرح تلك المرتبطة بالوعي الأرشيفي والتوثيقي في وطننا العربي، من خلال محاولة رصد واقع العمل التوثيقي في المؤسّسات المسرحية، بعرض ودراسة مختلف التجارب العربية والعالمية في هذا الصدد، كما سيطرح الملتقى إشكالية مدى إمكانية المراهنة على تحديث المعلومة وتوفير أوعية تخزينية كبيرة ومتنوّعة من أجل حفظ وحماية الذاكرة لأطول مدة تتجاوز قدرات الأشكال التقليدية التي استعملها الأسلاف في حفظ ذاكرتهم التاريخية لمدة آلاف السنين (رسومات الطاسيلي والتفيناغ)، وذلك بالاعتماد على التسهيلات المذهلة التي تقدّمها تكنولوجيا المعلومات في هذا العصر. كما سيتطرّق المشاركون في الملتقى إلى رصد تحديات حفظ الأرشيف المسرحي إلكترونيا وحمايته من الضياع، وبحث استراتيجية تستثمر تكنولوجيا المعلومات في حفظ الوثائق والنصوص وأرشفتها، و«هل يمكن اعتبارها خياراً استراتيجيا لحفظ الذاكرة المسرحية الجزائرية؟”. ويسعى الملتقى بعد الخوض في المسائل سالفة الذكر، إلى التأسيس لعملية جرد وإحصاء كلّ ما كتب عن المسرح الجزائري داخل الوطن وخارجه في الصحافة المكتوبة وعبر الانترنت، بالاشتراك مع الجامعة والمركز الوطني للأرشيف، وجمع النصوص المسرحية والوثائق والشواهد داخل وخارج الوطن لحفظ الذاكرة المسرحية، والاشتغال على استيعاب واكتساب المناهج والإستراتيجيات والمهارات التقنية الأساسية الخاصة بالأرشفة والتوثيق في المؤسسات المسرحية، بالإضافة إلى العمل على الاستفادة من الخبرات العربية والعالمية في ميدان الأرشفة والتوثيق. وتعتبر الوثيقة أهم المصادر التي تثبت الحقوق وتحفظ الهوية وتضعنا أمام التطوّرات في مختلف المجالات، وتلعب دورا هاما في التخطيط واتّخاذ القرارات، وتمكّننا من الوقوف على حقيقة الماضي الذي لا يمكن معرفته إلاّ من خلال الوثائق والشواهد، ومنه برز التوثيق كعلم قائم بذاته، ومن هذا المعنى الشامل لمفهوم الوثيقة وأهمية التوثيق، ومن موقع المسرح، يتساءل اليوم عن حقيقة الوعي الوثائقي الذي بلغته المؤسّسات الثقافية والمسرحية في الوطن العربي وفي الجزائر على وجه الخصوص، مع الاعتراف أنّه لم يصل بعد إلى قيمة الموروث التاريخي والحضاري الذي تركه الأسلاف، ويرى المختصّون أنّ الجزائر بحكم معاناتها من نير الاحتلال، إلاّ أنّ مسألة التوثيق بقيت مؤجّلة بسبب الانشغال بمعركة التنمية، واستحواذ الاحتلال على الكثير من الوثائق الهامة عن الحركة المسرحية، إلى جانب التاريخ الثقافي على العموم.