تناولت أشغال اليوم الأوّل من الملتقى الوطني حول ''الأرشفة، مسألة التلقين والبحث وتسيير المادة المأرشفة''، مسألة تسيير الأرشيف وإدارته تحت شعار ''آليات تسيير اليوم تاريخ الغد''، الذي احتضنه المركز الوطني للبحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية (الكراسك) بوهران، بالتنسيق مع مخبري وهرانوالجزائر العاصمة، وذلك من خلال طرح إشكالية تتعلّق بمدى وإمكانية وجود كفاءات وطنية في حفظ وتسيير الأرشيف، الذي يعتبره المختصون الذاكرة المستقبلية وجزءا من التاريخ الذي يدوّن الأحداث الراهنة، التي ستتحوّل مستقبلا إلى تاريخ تجمع فيه الأحداث المختلفة عبر سرد دقيق لمراحلها وتطوراتها عبر حقبها الزمنية المتباينة، وإلى أيّ مدى يمكن القول أنّنا فعلا تمكّنا من التحكّم في تقنية تسيير الأرشيف من زاويته المعرفية الدقيقة بالاستعانة بالتكنولوجيات الحديثة. كما تطرّقت أشغال هذا الملتقى الذي نشّطه أساتذة من معاهد التاريخ ومخابر البحث وتسيير المكتبات، إلى كيفية التوصّل إلى إدراج مادة الأرشيف كمقياس يدرس بقسم العلوم الإنسانية بالجامعات الجزائرية، حيث أشار الأستاذ حاشي عمار من جامعة الجزائر في هذا الشأن - انطلاقا من تجربته في الميدان - إلى أنّه كان هناك في السنوات الماضية نفور من قبل الطلبة من دراسة مادة الأرشيف التي اعتبروها تخصّصا إداريا بعيدا عنهم ولا يمت بصلة لدراستهم، ولكن بمرور الوقت تمّ إقحام مادة الأرشيف في تخصّص علم تسيير المكتبات. مضيفا أنّ تدريس الأرشيف عرف نوعا ما تطوّرا بفضل المجهود الذي بذله الأساتذة في هذا الميدان. وفي السياق، توقّف الأستاذ ميموني عمر من جامعة أحمد منتوري بقسنطينة، عند موضوع الاطّلاع على الأرشيف وإلى أيّ مدى يمكن لما يحتويه، أن يستجيب لتطلّعات الباحثين أو أفراد المجتمع العاديين. وأكّد المتدخل أنه بات من الضروري الإلمام بطريقة كتابة المعلومات وأرشفتها وترتيبها وفق ما تحتويه من مادة، وطبقا للمادة القيمية التي تحتويها وأهميتها من ناحية أخرى، كما أنّ الطلبة الذين يدرسون تخصّص الأرشيف يجدون أنفسهم يواجهون معضلة حقيقية عند التخرّج وبداية الممارسة المهنية، حيث أنّ الدروس التي تلقوها في الجامعة تدرّس باللغة العربية، في حين أنّ معظم الرصيد الأرشيفي منذ 1962 وحتى قبل هذا التاريخ هو باللغة الفرنسية، وتطرح هنا مشكلة عدم إلمام جلّ الطلبة بالشكل الكافي بهذه اللغة، ومن هنا يتوجب علينا - أضاف المتدخل - إعادة تكوين هؤلاء الطلبة وتهيئتهم للتعامل مع المادة الأرشيفية مستقبلا. من جانبه، تطرّق الأستاذ قاضي عبد القادر (أحد الباحثين ومن أبرز المختصين في مجال صيانة الأرشيف وترتيبه)، إلى قضية جوهرية، وهي كيفية الوصول إلى الأرشيف المتعلّق بالمؤسسات الحكومية، الذي يخضع في أحايين كثيرة للعراقيل البيروقراطية التي تجعل الباحث والأستاذ على حد سواء، إلى جانب المؤرخ أو الكاتب، يشعر بأنّ هناك تعتيما متعمّدا يحول بينه وبين الوصول إلى بعض الملفات الأرشيفية. مسألة الترجمة هي الأخرى كانت ضمن جدول أعمال هذا الملتقى، حيث أنّ إشكالية ترجمة بعض الملفات الأرشيفية تطرح بشدة، باعتبار أنّ عدم التمكّن الجيّد للذين يشتغلون على ترجمة بعض المصادر يمكن أن يضرّ بالمادة المترجمة وبالحقيقة التاريخية التي تحتويها. وعودة إلى العاملين في حقل الأرشيف فهناك إشكالية محدّدة تطرح نفسها بإلحاح وهي كيفية الوصول إلى استقلالية مجال الأرشيف كتخصّص عن التخصّصات الأخرى التي لا يزال تابعا لها وهي ميدان التسيير المكتبي، بحيث لم نتوصل بعد في الجزائر إلى الفصل بين القطاعات، وعلى ضوء هذا الارتباط يجدّ العاملون في مجال الأرشيف أنفسهم مقيدين وهذا يحدّ من مجالات تطوير مجال تسيير الأرشيف والتحكّم فيه بالشكل الجيّد والتعامل معه. ويواجه الأرشيف أيضا معضلة في الحفظ الذي يخضع في حدّ ذاته لمقاييس معيّنة تحول دون إتلاف هذا الرصيد التاريخي الهام، حيث أنّ جلّ هذا الأرشيف ظلّ محفوظا منذ سنوات بطريقة جعلته يتعرّض للتلف والضياع مع الأسف. الموجود في الدول المتطوّرة وحتى المجاورة، جعل التكنولوجيا في خدمة الأرشيف ورقمنته.. هذه المسألة الجوهرية أيضا ركّز عليها المشاركون في هذا الملتقى في ظلّ العولمة وتطوّر وسائل الاتصال والإعلام الآلي، حيث أبرز المتدخّلون أنّ هذه المسألة في بلادنا تخلّفت عن الركب ولم تبلغ المستوى المرجو واستعمال التكنولوجيا الحديثة وعلى رأسها الإعلام الآلي، التي وإن وجد نابع من اجتهادات قام بها الباحثون بشكل فردي، لكنّها لا تزال محدودة إن لم نقل منعدمة، باستثناء بعض المحاولات المحتشمة، مما يجعل جلّ الموارد الأرشيفية محفوظة بطريقة كلاسيكية لم تعد تتوافق مع ما هو معمول به دوليا، مما يصعّب المهمة ويعقّدها لدى الطلبة والباحثين، الذين يجدون عناء كبيرا في الوصول إلى بعض مصادر الأرشيف ويتسبّب في ضياع الوقت والجهد والمال. من هنا تبرز ضرورة السعي إلى تطوير برمجيات خاصة لحفظ الأرشيف ليكون مادة سهلة التداول، ليبيّن جمهور الأساتذة والطلبة وأكبر عدد من أفراد المجتمع، أنّ الأرشيف هو ملك للجميع وتاريخ يدوّن اليوم ليحفظ غدا عبر الأجيال والزمن. وتجدر الإشارة إلى أنّ ''الكراسك'' ضبط ساعته ونشاطاته على هامش الاحتفال بخمسينية الاستقلال واسترجاع السيادة الوطنية، وبرمج عدّة نشاطات ومحاضرات وأيام دراسية حول كلّ ما له علاقة بالأحداث الوطنية قبل وبعد الاستقلال.