رحل العديد من زوّار معرض دار الثقافة “علي زعموم” في إطار التبادل الثقافي بين ولايات الوطن، إلى الفترة الممتدة من 1900 إلى 1920 إبان التواجد الاستعماري بالجزائر، جسّدتها تحف لنماذج مصغّرة لوسائل نقل بدائية انتشر استعمالها خلال تلك المرحلة من التاريخ. الفسحة صنعها الحرفي الفنان غازي حفيظ، خريج معهد العلوم للبناء بفرنسا وصاحب 53 سنة، حيث استطاع تجسيد أفكاره المستوحاة من صور باللونين الأبيض والأسود لنماذج أبهرت زوّار المعرض، استعمل فيها أشياء ووسائل بسيطة من بقايا الخشب، مخلّفات حديدية وبقايا أقمشة وصنع منها أشكالا محكمة الإتقان، تتوفّر على أدقّ التفاصيل منها عربات لنقل البريد خلال تلك الفترة تحمل صندوقا محكّم الغلق بأعلى العربة التي يجرها حصانان، عربات لنقل المؤونة، وأخرى تضمّ صهاريج خشبية لنقل المياه والمشروبات، إلى جانب عربات لنقل المسافرين يجرها أكثر من حصان، كانت تقطع خلال تلك الفترة مسافات طويلة وتتوقّف عند مكان يعرف آنذاك بالمحطة الاستثنائية، قصد استبدال الأحصنة التي أنهكها التعب بأخرى، بالإضافة إلى عربات ملكية تجرها أربعة أحصنة مزيّنة وعربات بدائية ريفية تحمل صهاريج ودلاء الحليب، وأخرى لنقل المنتجات الفلاحية قصد تسويقها. كما ضمّ جناح العرض عربات رياضية، قطار لنقل المسافرين ونماذج أخرى قد تنسيك دقة تجسيدها لوهلة، لأنّها ذات حجم مصغر، ولعلّ المثير في هذه التحف الفنية الفريدة من نوعها، والتي تعبّر عن مراحل تاريخية معيّنة، استعمالها للتزيين لاحتوائها على مساحات استغلت بالنموذج دون أن تغيّر من شكله الأصلي؛ كحافظة للسجائر بتقنية دوران وسيارة أخرى يمكن استغلال عربتها كعلبة مجوهرات، بالإضافة إلى نماذج أخرى لأثاث تلك المرحلة وتصميمات محكمة الدقة لمنازل قد يفوق امتدادها المتر والنصف، استطاع هذا الحرفي الاحتفاظ لها بأدق التصميم والتزيين العمراني القديم. وعن تسويق هذا المنتوج على اعتباره الوحيد على المستوى الوطني، أكّد خريج معهد البناء وصاحب ورشة بمنزله الكائن بولاية سيدي بلعباس غرب الوطن، أنّ هناك إقبالا كبيرا لاقتناء هذه المجسمات، غير أنّ أغلب زبائنه مغتربون وأجانب، كما أنّ أسعار هذه النماذج المعقولة استهوت العديد من المقيمين خارج الوطن، خاصة بالدول الأوروبية، لإعادة بيعها والمتاجرة فيها، في الوقت الذي يحتفظ فيه هذا الحرفي بمبرد اعتبره صاحب الفضل في تجسيده لجميع هذه التحف الفنية وأنيسه منذ سن الخامسة قبل أن يدخل عالم الشهرة وسنه 10 سنوات، ساهم في صقل أفكاره ترحاله المتواصل إلى فرنسا، ليحذوَ حذو والده الذي ورث عنه هذه الصنعة التي نماها حبه لهذه المجسمات الأثرية.