قدّم الأديب والمدير العام للمكتبة الوطنية الجزائرية، عز الدين ميهوبي، محاضرة بمناسبة خمسينية استقلال الجزائر تحت عنوان “المثقفون والثورة الجزائرية”، وذلك ضمن الزيارة التي تقوده إلى المملكة الأردنية الهاشمية، واستعرض ميهوبي فيها العلاقة الأخوية التي ربطت الشعب الأردني مع الشعب الجزائري والتي تمثلت في العديد من المبادرات التي أسهمت في التخفيف على الشعب الجزائري أثناء محنته. توقّف ميهوبي أيضا عند تبرع ضباط الجيش الأردني براتب شهري لصالح الثورة الجزائرية، والسفينة الأردنية “دينا” التي خصّصت لنقل الأسلحة من الإسكندرية لمراكز جيش التحرير الوطني والتي أشرف عليها الملك الحسين، وكان يرافقها الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين، إضافة للدور الكبير الذي قامت به اللجنة الأردنية للتضامن ودعم القضية الجزائرية”، كما استعرض ميهوبي التاريخ الجزائري وعلاقته العميقة بالمقاومة، وقدرة الثورة الجزائرية على اكتساب العمق السياسي والثقافي وارتباطها بذاكرة الناس على امتداد الوطن العربي، ووجود حالات ثقافية ارتبطت بهذه الثورة من خلال مواقفها. قدم ميهوبي نماذج مهمة من تاريخ الجزائر كانت أمثلة صارخة في الرفض وصولا لاحتلال الجزائر الذي تأسس على فلسفة جديدة لفرنسا تتمثل في وضع أسس لإمبراطورية تمتد عبر السيطرة على البحر المتوسط، والذهاب إلى ما وراءه، مؤكّدا أنّه ليس بحاجة إلى سرد ما قامت به جيوش فرنسا في مختلف جهات الجزائر من جرائم بشعة، فهو موثّق ومتاح أمام الباحثين، قائلاً إنها “جرائم إنسانية” وأيّ اعتذار عمّا حدث خلال 132 سنة، لا يكون بالتقسيط، فالجريمة واحدة، والفاعل واحد، والتاريخ يحفظ التفاصيل. كما استحضر نماذج مهمة في تاريخ المقاومة الجزائرية، مستشهدا بقول الشيخ بوعمامة “إذا مررتم بقبري، وسمعتم صوت الرصاص، فاعلموا أنني ما زلت أحارب فرنسا”، وحول مسألة جدل التجنيس والاندماج، قدم ميهوبي نماذج من المعارضين لذلك أو الموافقين عليه، حيث كانت هنالك مواقف واضحة ولم يكن هنالك موقف رمادي، فالثورة أنضجت المواقف وكان الانحياز واضحا تجاه ذلك، وعندما احتفلت فرنسا بمرور 100 سنة على احتلال الجزائر، كانت الرسالة عميقة في نفوس الجزائريين، وأحدثت هزّة في وعيهم بضرورة مواصلة النضال من أجل تجاوز الحدّ الأدنى الذي كانت فرنسا تمنّ به عليهم، ويعبر عن ذلك شاعر الثورة الجزائرية مفدي زكريا بقصيدته الشهيرة “فداء الجزائر روحي ومالي”. ويرى ميهوبي أنّ أحداث 8 ماي 1945 شكّلت منعطفا حاسما في مسيرة الجزائريين نحو التخلّص من الخطاب الكولونيالي المليء بوعود “كلام الليل يمحوه النهار”، مشيراً إلى أنّ رواية “نجمة” لنبي العصيان كما يطلق عليه، كاتب ياسين، مثّلت صورة قمّة الوعي، ولا غرابة أن يقول هذا المبدع عندما يسأل عن السرّ في كتابته بالفرنسية “أكتب بالفرنسية، حتى أقول للفرنسيين أنني لست فرنسيا”، وبعد الاستقلال قال عن الفرنسية “إنّها غنيمة حرب”. ولعل مالك حدّاد يمتلك موقفا مختلفا، إذ يقول “الفرنسية منفاي..” وكان يبدي أسفا كبيرا لأنّه لم يكن قادرا على الكتابة باللغة العربية، أمّا محمّد ديب، فإنّه استوعب تحوّلات الثورة الجزائرية بعمق، فكتب ثلاثيته الشهيرة “الحريق”، “الدار الكبيرة” و«النول” وهي تمثل مرجعية مهمة لأدب الثورة. وفي سياق متّصل، زار المدير العام للمكتبة الوطنية الجزائرية الشاعر عز الدين ميهوبي دائرة المكتبة الوطنية الأردنية، حيث اطلع على التجربة الأردنية في مجال الأرشفة، والأتمتة، والبلوغرافيا الوطنية، وقدّم محمد يونس العبادي للدائرة عرضا مطولا عن أعمال دائرة المكتبة الوطنية، والمهام التي تقوم بها، والانجازات التي قدمتها للمشهد الثقافي الأردني. وعن التجربة الأردنية في مجال أتمتة مقتنيات الدائرة، أكّد العبادي أنّ هنالك برامج مهمة تستخدمها المكتبة الوطنية لأرشفة الوثائق؛ ومنها برنامج “ادلب” المستخدم عالميا، وبرنامج “سيمفوني” لفهرسة الكتب والتغذية الراجعة لها، وهو من أحدث البرامج المستخدمة في هذا المجال عالميا وفي المكتبات الوطنية. وأبدى ميهوبي إعجابه بالأرشفة، وخاصة أنّ المكتبة الوطنية من أكثر المكتبات في المنطقة اهتماما بالوثائق، حيث يوجد على موقعها أكثر من نصف مليون وثيقة، وهو ما أثار إعجابه إضافة إلى سرعة إنجاز الببلوغرافيا الوطنية، وحول المشروع الثقافي للمكتبة الوطنية الأردنية، تحدث العبادي عن حملة “صديقك” التي اهتم بها الضيوف وأكّدوا أهمية هذه التجربة، وأكّد ميهوبي أهمية نقلها إلى المكتبة الوطنية الجزائرية لتشابه الظروف، فيما يخصّ المناطق النائية في الجزائر، وأهمية أن تصل للطفل العربي الكتب والقصص التي تسهم في تنشئته بعيدا عن الأفكار والتوجهات الأحادية والمتطرفة التي تخطف الطفل العربي في غياب الكتاب والتنشئة التي تستند إليه. وفي نهاية اللقاء، تم الاتفاق على أهمية تبادل الخبرات، وأن تكون هنالك توأمة بين المكتبتين، واتفاقية تعاون؛ وذلك سعيا لأن يكون هنالك أرشيف وطني عربي يكون تحت تصرف الباحث العربي.